اسرائيل ما بعد سرقة الارض

عادل احمد شريفي

2020.07.27 - 11:50
Facebook Share
طباعة

 
في العام 1948، لم يكد العرب -فاقدي الحسّ بالزّمن- أن يستفيقوا من الصّدمة إلا وكان كلّ شيء قد تمّ بسرعةٍ فائقة، تماماً كالأبنية مسبقة الصّنع، أشادوا دولة! والمهندسون المختصّون بمثل هكذا مبانٍ يدركون تماماً أنّ كلّ المخططات تكون جاهزةً قبل البدء، وإلا فلن يكتمل انجاز التصميم 
الفكرة تعود إلى بدايات القرن الثامن عشر، حينما شجّعت الصهيونيّة العالمية حركة الاستشراق الأوروبي إلى سبر أغوار المجتمعات العربيّة التي أنهكها التّزاوج الطّويل مع العثمانيين المتطلبين، فتمّ رسم أولى الخرائط الثّقافيّة للنّموذج، وتمّ تحديد الأبعاد التي ستقوم الدّولة المنتظرة عليها، وأهمّها البعد الثّقافي، إذ أنّه من غير الممكن أن تقوم دولة في منطقة ضاربة الجذور في التّاريخ، من غير هذا البعد، فهذا النّموذج لا يقام على أرضٍ جديدة مكتشفة حديثاً، بل على كيانٍ قديم ستتم سرقة كل محتوياته بما فيها ثقافته.
يقول كتاب "بطاقة ملكيّة"، للباحث الإسرائيلي "غيش عميت"، أنّ إسرائيل استغلّت كلّ ما وقع تحت أيديها من متاحف فلسطينيّة، ومكتبات أثريّة، مضافاً إليها كلّ ما اصطحبه اليهود العرب من بلدانهم بغضّ النّظر عن أهميّته التاريخيّة، مع ما استنقذته الهاغناه، وشتيرن من مستودعات النّازيّة المهزومة من مخلّفات اليهود في معسكرات الاعتقال، كل هذا تمّ تجميعه دون أيّ تفريط، لبناء حكاية ثقافية اسرائيليّة محبوكة. غير أنّ كلّ ذلك لم يكفهم، فلجأوا إلى اليونسكو التي لم تتأخر بالمساعدة أبداً، فسجّلت باسم الإسرائيليين كل ما طلبوه من قصص موروث شعبي (أكثر من أربعة آلاف قصّة في أغلبها عربيّة الأصل)، حتّى "الشّقلة" (أصغر مثقال فضّة عربي) أصبحت "شيقل!"، ونجمة داوود التي كانت "اللوغو" الرّسمي للدّولة الأيّوبيّة صارت شعاراً لدولة إسرائيل، والكثير الكثير من المنهوبات الثّقافيّة، وكلّ هذا لم يكفهم أيضاً، فلجأوا إلى سياسة "الأسرلة!"، التّي عمدوا من خلالها إلى اعتبار كلّ عمل ثقافي شارك فيه يهود عرب، هو عمل إسرائيلي، ولإسرائيل الحقّ في نسبته لها ضاربةً عرض الحائط بحقوق الملكية والقوانين النّاظمة لهذي الأمور، فلم ينج فيلما الموسيقار محمد عبد الوهاب "رصاصة في القلب" الذي شاركته دور البطولة فيه راشيل أو راقية إبراهيم، وفيلم "ممنوع الحب" مع ليلى مراد من ذلك، وكذلك جميع أفلام توجو مزراحي، حتّى أغاني أم كلثوم تمّت نسبتها للمطرب الإسرائيلي زيف يحزقيل وميشيل ياهو، وأغاني ناظم الغزالي لفلفل كرجي وإسماعيل فاضل، وكذلك أغاني السيّدة فيروز التي تمّت عبرنتها ونسبتها لفرقة "توركيز" الإسرائيليّة. لا تستغربوا، فحتّى الشّعر الجاهلي بات إسرائيلياً، فشعر السّمؤال أو سموئيل بن عادياء تمّت أسرلته، وسط فغور فاهٍ عربي مريب! مع الأسف، بينما تقوم الأنظمة العربيّة بكبت وتغييب مثقّفيها، وتجويعهم، يقوم الإسرائيليون بصمتٍ واجتهاد بسرقة كلّ ما يقع تحت أيديهم من تراثٍ وفكر وثقافة.
وهل هناك أشدّ إيلاماً من أن تكون نساء المجتمع المخملي الإسرائيلي مولعات بلبس الكوفيّة والعباءة العربيّة والفلسطينيّة (زوجة موشيه دايان، وكذلك مضيفات شركة العال الإسرائيلية)، بينما تتفاخر نساء مجتمعاتنا العربيّة بكريستيان ديور، وبيير كاردان، وبيرباري.
أيّهما أصعب، استعادة الأرض، أم استعادة الثّقافة المنهوبة؟ وهل سنبادر كعرب إلى الخطوة الأولى، أم سنترك الماء جارياً من تحتنا؟
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 8