ميلان كونديرا، وشرّ البليّة!

عادل أحمد شريفي

2020.07.29 - 12:04
Facebook Share
طباعة

 
لطالما توقّف النّقاد طويلاً عند أعمال "كونديرا"، وأسلوبه الفريد، وذاك التعدد الصّوتي في كتاباته، فهو الأقدر على رواية ذات الحادثة من عدّة جوانب مختلفة، الأمر الذي قد يستصعبه الكثير من الكتّاب والرّوائيين، وهذا ما مثّل غنىً تميّزت به أعماله عموماً، غير أنّ البطل الرّئيسي الذي اشترك في كلّ أعمال "كونديرا" بشكل دائم كان الضّحك! فكلّ الأحداث فجّرها المزاح، وكلّ المآسي فجّرت الضّحك، فلسفة قديمة أعاد "كونديرا" إحياءها من جديد، وألهم بذلك العديد من الكتّاب حول العالم.
فإذا أخذنا روايته "مزحة" على سبيل المثال، نجد أنّ لودفيك كتب عباراتٍ تافهة لرفيقته في الحزب الشيوعي الجميلة "ماركيتا"، هازئاً من آراءها المتصلّبة، ليجد نفسه أمام تحقيق تجريه معه لجنة انضباط حزبيّة رفيعة المستوى للتحقيق في نواياه، ومدى التزامه بمبادئ الحزب، وخلفيات تلك الجمل التي سطّرها. مفارقات مضحكة مبكية يمر بها بطل الرواية طوال سبعة فصول ممتعة. المهم في كلّ ذلك هي الإشارة العبقريّة من قبل "كونديرا" إلى أنّ الأنظمة الشّموليّة حادّة المزاج دوماً، وليس لديها أي حسّ فكاهي، لذلك فهي لا تقبل المزاح أبداً، يقول كونديرا: "أريد ببساطة أن أقول بأن أية حركة كبيرة تريد تحويل العالم لا تتسامح بالتهكم، أو بالسخرية لأنهما صدأ يأكل كل شيء"، وكما هو معروف فإن الصّدأ ينمو على الحديد حتّى يلتهمه كلّه.
في الحقيقة فإن هذا الأمر الصّادم -على بساطته- هو مسلّمة يعرفها كلّ من عاش، وترعرع في ظلّ تلك الأنظمة، فالأمثلة على أشخاص لقوا حتفهم جرّاء خفّة دمّهم تكاد تكون كثيرة جداً، حتّى أنّ التّحكم في الضّحك يُصبح غريزيّاً عند الشّعوب المبتلاة بهذا النّوع من الأنظمة، بحيث يمنع المرء نفسه من الضّحك -مهما كانت الدّعابة مضحكة- لأن من يضحك هو شريك في الجريمة، والشريك في أي جرم يتلقّى ذات العقاب، تبعاً للمبدأ القانوني المعروف. وعليه فإنّ مدى التزامك، وتفانيك في خدمة نظامٍ مماثل، وتاريخك النّضالي، كل ذلك سيتبخر إذا أطلقت عليه دعابةً ما، أو حتّى إذا ضحكت على دعابة سمعتها تمس بذاك النّظام! فكلّ محاولات "لودفيك" لإثبات التزامه، وكلّ منجزات تاريخه الطّويل مع الحزب قوبلت باتّهامات أعمق من قبل لجنة الانضباط الحزبي التي تولّت التحقيق معه، وبالتّالي تمّ فصله، والفصل -كما هو معلوم- هو بوابّة جهنّم التي تُفتح على المواطن، فتأتي من خلالها كلّ رياح السّموم القاتلة.
جديّاً، وبعيداً عن الدّعابة -أعاذنا الله من شرّها- فحتّى المسؤولون في تلك الأنظمة يتمّ انتقاؤهم عبوسين، غير قابلين للابتسام! وذلك لضمان ولاءهم. نحن لا ننكر هنا المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق أيّ مسؤول في تلك الأنظمة، خاصّةً أن مركزيّة القرار تجعل كلّ مسؤولٍ فيهم غير مسؤولٍ عن شيء! إلا أنّ ذاك التّصلّب فيما يخصّ "الضّحك" يبقى غير مفهومٍ بالنسبة لنا، فهل من المعقول أنّ نظاماً قوياً ممسكاً بمفاصل الدّولة كلّها، ويحكم بقبضةٍ فولاذية، قد يسقط يوماً بسبب الضّحك؟! أو ربّما هناك فهم خاطئ لمجازية القول "مات من الضّحك".
دعونا إذاً من المطالبة بالحريّة، دعونا من المطالبة بالتغيير، دعونا من محاربة الفساد، ومن كلّ شيء، فقط أفسحوا لنا المجال، ودعونا نضحك.
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 1