العيد هو الرغبة بالفرح

عادل أحمد شريفي

2020.08.03 - 10:14
Facebook Share
طباعة

 
لطالما كان العيد واحة شعورية نستظل بفيئها في هجير مطاردة أحلامنا، مساحة للفرح نفرضها بالقوّة أحياناً على ضيق أحزاننا، لنشعر بالبهجة في يومٍ، أو عدّة أيّام تخرجنا من واقعٍ مأزوم، أو حلقة ضيق خانقة، فهل يا ترى يحمل العيد هذا الإحساس أم أنّه مجرّد وهم؟
قال المتنبي في قديم الزّمان: "عيدٌ بأيّ حالٍ عُدت يا عيدُ.. بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ؟". ولا يخفى على أحدٍ ما ضمنّه المتنبي في تلك القصيدة من شكوى، وألم يفصّل معاناته في قصر كافور الإخشيدي (العبد الذي أمسى حاكم مصر)، وكيف يصبح -مع تبدّل المفاهيم- الحرّ عبداً والعبد حراً، فكلّ الأعياد لا تستطيع أن تحمل المتألم على الشّعور بالفرح والسّرور، مالم ينبعث هذا الشّعور من رغبة ذاتيّة. يؤيّد هذا التّوجّه قول إيليا أبو ماضي في قصيدته: "أيّ شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي؟"، بمعنى أنّ يمتلك قرار العيد في حياته وأيامه ولياليه لا يعود بحاجةٍ إلى هدايا أخرى، فكل الأيام لديه عيد، وكلّ الهدايا الجديدة ستكون تكراراً لا معنى إضافي له، فالمنتشي بشرابٍ ما، أو عقارٍ ما يضحكه كلّ شيء، والمحزون يبكيه أي شيء.
يستوقفني أيضاً قول مصطفى صادق الراّفعي: "جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزّمن إلى زمن وحده لا يستمرّ أكثر من يوم"، أي أنّ العيد هو خروج من الزّمن الفعلي، الذي وضعه البشر ليساعدهم على الحساب، واتّخاذ المواعيد علامات فارقة (وهذا وهم اصطنعناه بأنفسنا أيضاً والتزمنا به)، لندخل -ولو ليومٍ واحد- في زمنٍ آخر مختلف يحمل لنا البشر والسرور والنّشوة، التي ربّما لم نكن نشعر بها في الزّمن الأصلي الذي كنّا ندور فيه، فهل هذا الأمر مازال قائماً يا تُرى؟
تقول غادة السّمان في روايتها ليل الغرباء: "العيد مستمر، العيد يبقى، وحدهم الأطفال يتبدّلون"، ولا أدلّ من هذا القول على أنّ الفرح هو قرار أكثر من كونه واقعاً، فالأطفال في حالة حبور دائم، يصطنعونها من أبسط الأسباب، فحالة اللعب الدّائم، واتّخاذ كل ما يلزم من إجراءات للدّخول في عالم الخيال هو من مستلزمات ذاك القرار، فقطعة الخشب ممكن أن تصبح سيفاً أو بندقيّة أو حتّى حصاناً وربّما طائرة، وقطعة القماش البالية ممكن أن تصبح لعبة باربي، وتستطيع بكلّ سهولة أن تتلمّس استمتاع الطّفل بما لديه -على تفاهته- عندما يقرر أن يلعب، وأن يفرح. بينما نرى أننا كلّما تقدّمنا بالسنّ، واصطدمنا بجدران الحياة خفّت بهجة العيد لدينا، لا لشيءٍ إلا لأننا فقدنا قدرتنا على الخيال تدريجيّاً بازدياد تجاربنا الحياتيّة، في حين نجد أن من يحافظ على قدرته على الخيال يستطيع تقمّص لحظات الفرح في عزّ الغمّ.
على المقلب الآخر يقول أمل دنقل: "قلت لكم مراراً أن الطوابير التي تمرّ في استعراض عيد الفطر والجلاء، فتهتف لها النّساء في النّوافذ انبهاراً، لا تصنع انتصاراً". كلامٌ جدّ خطير، يلخّص واقع الاستغراق في الخيال، والرّكون إلى الدّعة وقت العمل، والتأثير السّلبي لذلك على منجزاتنا كأفرادٍ ومجتمعات، فالانتصارات لا يمكن أن تُصنع بالتّخيّل، وإشارته إلى انبهار النّسوة في النّوافذ، ليس تعبيراً ينتقص من النّساء، بل هو تقريعٌ لكل جالسٍ في بيته، مقتنعٍ بواقعٍ مزرٍ ربّما يستطيع أن يغيّره برفع وتيرة كفاحه، فالانتصارات الخياليّة لأمتنا، لا نستطيع ترجمتها على أرض الواقع إلا زيادة في التقهقر والخذلان، لأنّ النّصر بحاجة إلى جدٍّ وعمل، لا مجرّد أوهامٍ تنطلي على السّذج.
خلاصة القول، تستطيع أن تفرح متى قررت ذلك، بل عليك أن تفرد لذاتك مساحةً من الفرح في عزّ الضّيق، ولكن عليك أن تكون حذراً، لأن الفرق الوحيد بين الجنون والحبور هو أن تفرح وحيداً، وسط معاناة الآخرين.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 6