يعاني العراق اليوم تضخم عوارض "متلازمة التغيير السياسي"، والتي يرجع الفضل في تشخيصها في البلدان التي شهدت تحولا سياسيا إلى السياسي الأمريكي والمنظر لقضية "صراع الحضارات" Samuel Huntington. ومن هذه العوارض بحسب Huntington أن يصل اليأس من الطبقة السياسية إلى مستويات عليا، وتصبح المؤسسات السياسية لا تتمتع سوى بهامش بسيط من السلطة، والدولة بهامش محدود من السيادة.
إن جميع مكونات الطبقة السياسية العراقية الحالية، والتي يقوم نفوذها السياسي على مظاهر الشرعية التقليدية كالزعامات الدينية أو بحكم المنصب السياسي، تبدو عاجزة تماما عن تجاوز حالة الانسداد السياسي الراهنة، لا بل أنها تريد الحفاظ على منطق التقاسم الحصصي المصلحي المتبادل لـ "اللا - دولة" القائمة، والذي يعني إعادة تدوير لثنائية الفساد والفشل.
إن الطبقة السياسية الحالية تفتقد إلى أي إنجاز، وتمثيلها للشعب ينحسر يوما بعد آخر، وهو صل في الانتخابات الأخيرة إلى مستوى مجموعة من الناخبين يرتبطون بمصالح ضيقة مع أشخاص تلك الطبقة.
وبالنتيجة، تآكلت شرعية تلك الطبقة السياسية شيئا فشيئا. وتتسارع اليوم وتيرة هذا التآكل على وقع تجدد وتسارع وتيرة حركة الاحتجاجات الشعبية، والتي ساهمت منذ انطلاقها في تشرين من عام 2019 بإعادة الاعتبار للشعب بعد أن كان مجرّد أرقام في حسابات الطبقة السياسية في فترة الانتخابات.
لقد بات واضحا الآن أن مجرّد التفكير بأن التغيير قد يأتي عن طريق الطبقة السياسية الحالية هو نوع من الوهم، وأن أوان تغيير الطبقة السياسية وزوالها المحتوم بعد فشلها في التغيير قد أضحى قاب قوسين أو أدنى.