تمثيل العرب والدروز في الكنيست الإسرائيلي الـ25: قراءة في الأرقام والدلالات

وكالة أنباء آسيا

2025.05.10 - 09:23
Facebook Share
طباعة

مقدمة

في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بدأت أعمال الدورة الخامسة والعشرين للكنيست الإسرائيلي، في ظل مشهد سياسي يتّسم بقدر كبير من التوتر والانقسام. وقد أتت هذه الدورة بعد سلسلة من الانتخابات المبكرة غير الحاسمة، والتي عكست حجم الأزمة السياسية الداخلية وتفكك المشهد الحزبي الإسرائيلي. ضمن هذا السياق، برزت مسألة التمثيل السياسي للمكونات غير اليهودية، وخصوصًا المواطنين العرب والدروز، بوصفها واحدة من أبرز تجليات التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي.

كشفت نتائج الانتخابات عن تراجع ملحوظ وغير مسبوق في عدد النواب العرب والدروز داخل البرلمان، وهو ما أثار تساؤلات واسعة حول دوافع هذا التراجع، ودلالاته، وتأثيره على العلاقة المستقبلية بين هذه المكونات والدولة. يعكس هذا الانخفاض في التمثيل تحولات في المزاج العام لتلك المجتمعات، وتراجعًا ملموسًا في ثقتها بالمؤسسة السياسية الرسمية، التي لطالما وُصفت بأنها عاجزة عن الاستجابة لتطلعاتها أو معالجة القضايا المزمنة التي تعاني منها، مثل العنف والجريمة والإقصاء الاقتصادي والسياسي.

كما ترافقت هذه الظاهرة مع مؤشرات أخرى، مثل انخفاض نسب التصويت بشكل لافت، وظهور نزعات متزايدة نحو العزوف أو البحث عن بدائل غير تقليدية للتمثيل السياسي، في ظل شعور متنامٍ بالخذلان من أداء الأحزاب العربية والنواب الدروز داخل الكنيست. كل هذه المعطيات تجعل من انتخابات الكنيست الـ25 محطة تحليلية مهمة لفهم التغيرات البنيوية في المشهد السياسي الإسرائيلي، والعلاقة المعقدة بين الدولة ومكوناتها غير اليهودية.


أولًا: التمثيل العربي – تراجع غير مسبوق
1. الأرقام والكتل السياسية
شهد الكنيست الإسرائيلي في دورته الخامسة والعشرين انخفاضًا غير مسبوق في عدد النواب العرب، إذ اقتصر تمثيلهم على 10 مقاعد فقط من أصل 120، وهو التمثيل الأدنى منذ أكثر من عقدين. ويُعد هذا التراجع مؤشرًا هامًا على حالة التحول العميق التي يعيشها الشارع العربي في الداخل الفلسطيني، سواء من حيث السلوك الانتخابي أو من حيث العلاقة مع القوى السياسية التقليدية.

توزع النواب العشرة على كتلتين رئيسيتين:

القائمة العربية الموحدة، وهي الجناح السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية، برئاسة منصور عباس، وقد حصلت على خمسة مقاعد:

منصور عباس

وليد طه

وليد الهواشلة

إيمان خطيب ياسين

ياسر حجيرات

ما يميز هذه القائمة هو تبنيها خطابًا براغماتيًا يركز على الاندماج في النظام السياسي الإسرائيلي، والتفاوض المباشر مع الحكومة من أجل تحصيل حقوق مدنية وخدماتية للعرب في الداخل، وهو ما تجلى بمشاركتها سابقًا في الائتلاف الحكومي بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد.

تحالف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير، وهو تيار قومي-يساري تقليدي يضم شخصيات مخضرمة:

أيمن عودة (الجبهة)

أحمد الطيبي (الحركة العربية للتغيير)

عايدة توما سليمان (الجبهة)

يوسف العطاونة (الجبهة)

عوفر كسيف، وهو نائب يهودي ضمن الجبهة يُعد من الداعمين البارزين لحقوق الفلسطينيين ويعارض السياسات اليمينية للحكومات الإسرائيلية.

يُذكر أن هذه القوائم خاضت الانتخابات بشكل منفصل، بعد تفكك "القائمة المشتركة" التي جمعت سابقًا معظم الأحزاب العربية، ما أضعف فرصها في تحقيق نتائج كبيرة بسبب تشتت الأصوات وتراجع الحشد الانتخابي.

2. العزوف الانتخابي
من أبرز أسباب تراجع التمثيل العربي هو انخفاض نسبة التصويت في المجتمع العربي، التي لم تتجاوز 44.2%، مقارنة بـ71.9% في أوساط الناخبين اليهود، بحسب لجنة الانتخابات المركزية. ويُعتبر هذا الفارق الكبير دلالة على أزمة سياسية عميقة في علاقة المواطنين العرب مع النظام البرلماني الإسرائيلي.

هذا العزوف يمكن تفسيره بعدة عوامل مترابطة:

فقدان الثقة المتزايد بالأحزاب العربية التقليدية، نتيجة الشعور بأن وجود النواب في الكنيست لم يُفضِ إلى تغييرات ملموسة على الأرض، خاصة في قضايا مثل:

مكافحة الجريمة المنظّمة وانتشار السلاح

التمييز في توزيع الميزانيات والموارد

الهدم الإداري للمنازل في البلدات العربية

الإحباط من الأداء السياسي، خاصة بعد تجربة القائمة المشتركة، التي رغم حصدها لـ15 مقعدًا في الكنيست الـ23، لم تتمكن من تحويل هذا الحضور العددي إلى نفوذ سياسي فعلي، ما ولّد شعورًا عامًا بأن الكنيست لم يعد وسيلة فعالة للتغيير.

الانقسامات الداخلية بين الأحزاب العربية، خاصة بعد انهيار "القائمة المشتركة" وانقسامها إلى تيارات متعددة ذات رؤى متضادة، ما أدى إلى إرباك الناخب العربي، وأضعف الحافز للمشاركة.

تصاعد الشعور بالاغتراب السياسي، خاصة في ظل صعود اليمين الإسرائيلي وخطاباته العنصرية، وتراجع الحريات، وغياب أي عملية سياسية تعطي أملًا بإنهاء الاحتلال أو تحقيق مساواة حقيقية.

هذا التراجع في التمثيل لا يعكس فقط أزمة تمثيلية، بل يشير إلى تحول نوعي في المزاج العام للمجتمع العربي داخل إسرائيل، قد يؤدي في المستقبل إلى إعادة التفكير في أدوات وخطابات العمل السياسي، وربما توجهات جديدة خارج إطار الكنيست التقليدي.

 

ثانيًا: التمثيل الدرزي – حضور رمزي محدود
1. من نائبين إلى نائب واحد
في الكنيست الإسرائيلي الـ25، شهدت الطائفة الدرزية تراجعًا حادًا في تمثيلها البرلماني، حيث اقتصر على نائب واحد فقط، هو حمد عمار، عضو حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان. وكان هناك نائب درزي آخر، فطين ملا من حزب الليكود، لكنّه استقال في يناير 2023 بموجب "القانون النرويجي"، وهو قانون يسمح للوزراء بالاستقالة من الكنيست لإفساح المجال لأعضاء آخرين من نفس الحزب لدخول البرلمان، على أن يعودوا إلى مقاعدهم في حال تركوا الوزارة.

هذا التراجع في العدد – من نائبين إلى نائب واحد – يُعتبر الأدنى منذ سنوات، ويعبّر عن أزمة تمثيل حادة داخل الطائفة الدرزية، التي لطالما عُرفت بارتباطها المؤسسي مع الدولة الإسرائيلية، خاصة من خلال الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي.

2. أسباب التراجع
هذا التراجع في التمثيل لا يمكن قراءته من زاوية الأرقام فقط، بل هو نتيجة سياق سياسي واجتماعي أعمق، يتمثل في تصاعد حالة من الاستياء داخل المجتمع الدرزي من السياسات الحكومية الإسرائيلية، ومن أداء النواب الدروز في الأحزاب الصهيونية.

أ. قانون القومية (2018)
يُعد هذا القانون أحد أهم أسباب النقمة الدرزية، حيث نص على أن "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي فقط"، ما يعني إقصاء باقي المكونات القومية والدينية، بما في ذلك الدروز، من أي شراكة في الهوية الوطنية الرسمية. رغم أن الدروز يخدمون في الجيش ويتبنون علاقة ولاء تاريخية مع الدولة، فقد شعر الكثيرون أن القانون يُعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

وقد خرجت في حينه احتجاجات درزية واسعة، شارك فيها ضباط في الجيش وشخصيات مجتمعية بارزة، للتعبير عن رفضهم لهذا "الإجحاف القانوني"، إلا أن الحكومة لم تستجب لأي مطالب لتعديل القانون أو إدخال بنود تضمن المساواة.

ب. الإحساس بالتهميش السياسي
كثير من أبناء الطائفة الدرزية يشعرون أن النواب الدروز داخل الأحزاب الصهيونية – مثل الليكود أو "إسرائيل بيتنا" – لا يمثلون مصالحهم الحقيقية، بل يلتزمون بخط حزبي لا يترك لهم هامشًا كافيًا للدفاع عن قضايا مجتمعهم. ونتيجة لذلك، يُنظر إليهم أحيانًا كـ"ديكور سياسي" أكثر من كونهم ممثلين فعليين.

هذا الإحساس بالتهميش ترافق مع تآكل الثقة في قدرة الكنيست على تحقيق تغييرات حقيقية في السياسات تجاه الدروز، سواء في قضايا الأرض، أو البنى التحتية، أو التعليم، أو الاعتراف بالقرى غير المعترف بها في الجليل.

ج. تراجع نسبة التصويت
في الانتخابات الأخيرة، بلغت نسبة التصويت بين الدروز 57%، وهي نسبة أقل من المتوسط في المجتمع العربي عامة (65.6%)، وأقل بكثير من نسبة التصويت في المجتمع اليهودي. هذا الانخفاض يعكس تصاعد العزوف السياسي داخل الطائفة، في ظل شعور متزايد بأن صناديق الاقتراع لم تعد وسيلة فعالة لتحسين أوضاعهم، بل مجرد إعادة تدوير لتمثيل شكلي.

خلاصة
التمثيل الدرزي في الكنيست الإسرائيلي لم يعد كما كان، بل أصبح اليوم رمزيًا وهامشيًا، يعكس أزمة ثقة عميقة بين هذه الطائفة والمؤسسة السياسية الإسرائيلية. مع استمرار تجاهل مطالب الدروز وتدهور الثقة بالأحزاب، قد نشهد مستقبلاً تحولات جذرية في خياراتهم السياسية، وربما بروز تيارات جديدة تدعو إلى تمثيل مستقل أو مقاطعة العملية السياسية ككل.

ثالثًا: دلالات ومؤشرات سياسية
التمثيل المتراجع للعرب والدروز في الكنيست الإسرائيلي الـ25 لا يقتصر على كونه ظاهرة انتخابية، بل هو مؤشر على تحولات سياسية عميقة في علاقة هذه المكونات مع الدولة ومؤسساتها التشريعية، ويعكس تبدّلًا في أنماط الوعي والمشاركة السياسية لدى فئات واسعة من المواطنين العرب والدروز.

1. أزمة ثقة بالمؤسسات السياسية
ما تكشفه نسب التصويت المنخفضة في المجتمعين العربي والدرزي، والتمثيل المحدود في الكنيست، هو تفاقم أزمة ثقة هيكلية بين هذه الفئات والمؤسسة السياسية الإسرائيلية. هذه الأزمة ليست جديدة، لكنها بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة بسبب:

الإخفاقات المتكررة للأحزاب العربية والصهيونية في تقديم حلول جذرية لمشكلات جوهرية، مثل العنف المجتمعي، التمييز في التخطيط والبناء، وتراجع الخدمات الأساسية.

عدم قدرة النواب العرب والدروز على التأثير الحقيقي في القرارات الحكومية، خاصة في ظل حكومات يمينية متشددة تتبنى سياسات إقصائية أو لا تولي اهتمامًا كافيًا لهذه المجموعات.

في هذا السياق، أصبحت الكنيست تُرى من قبل قطاعات واسعة كمنبر عاجز عن تمثيل مصالح العرب والدروز بفعالية، وهو ما يُفسر الإحباط العام وتراجع الإقبال على التصويت.

2. تحولات في الوعي السياسي
في ظل هذا التراجع في الثقة، بدأت تظهر أنماط جديدة من التفكير السياسي لدى العرب والدروز، تختلف عن القوالب التقليدية التي هيمنت لعقود، ويمكن ملاحظتها في ثلاث اتجاهات رئيسية:

أ. نزعة نحو المقاطعة
فئة متزايدة من الناخبين العرب والدروز تتجه نحو مقاطعة الانتخابات كليًا، باعتبار أن اللعبة البرلمانية لا تُحدث تغييرًا فعليًا في حياتهم، بل تُستخدم كوسيلة "تجميلية" لتجميل ديمقراطية شكلية لا تُطبق بعدالة على الجميع.

ب. الانخراط في أحزاب يهودية
بعض الأفراد – خاصة من الشباب – باتوا يفضلون الانخراط في أحزاب صهيونية يهودية طمعًا في تحقيق مكاسب فردية أو الحصول على خدمات محلية وتنموية (كفرص العمل أو تحسين البنى التحتية)، حتى لو لم تحمل هذه الأحزاب أجندات تتبنى حقوقهم الجماعية.

ج. البحث عن بدائل مدنية وحقوقية
اتجه آخرون نحو العمل خارج الأطر الحزبية والبرلمانية، من خلال المؤسسات الأهلية، الجمعيات الحقوقية، أو المبادرات المجتمعية. هذا التوجه يعكس تحوّلًا في طريقة النظر إلى الفعل السياسي، من تمثيل نيابي إلى ضغط شعبي ومجتمعي على مؤسسات الدولة عبر أدوات مدنية وإعلامية.

3. مستقبل التمثيل العربي والدرزي
إذا ما استمرت هذه الاتجاهات – من مقاطعة، وانقسام حزبي، وعزوف سياسي – فمن المرجح أن يشهد الكنيست القادم مزيدًا من التقلص في الحضور العربي والدرزي. هذا التقلص يحمل مخاطر عدة:

تضاؤل التأثير على القوانين والتشريعات التي تمس حياة المواطنين العرب والدروز، كقوانين التعليم، التنظيم والبناء، أو مكافحة العنف.

زيادة حدة التمييز المؤسسي في ظل غياب أصوات معارضة داخل البرلمان تمثل هذه المجموعات.

تعميق الفجوة بين الدولة ومواطنيها غير اليهود، بما يعزز الشعور بالتهميش والاغتراب السياسي.

بالتالي، فإن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى أزمة تمثيل حادة تهدد العقد الاجتماعي في إسرائيل، وتستدعي مراجعة شاملة للسياسات الحكومية تجاه الأقليات، وكذلك لإستراتيجيات الأحزاب العربية والدرزية في التعامل مع الواقع السياسي المتغير.


خاتمة
يعكس التراجع في تمثيل العرب والدروز في الكنيست الـ25 أزمة عميقة تتجاوز الأرقام لتشير إلى اختلال في العلاقة بين الدولة ومكوناتها غير اليهودية. هذا الوضع يستوجب إعادة تقييم جدية لمسار التمثيل السياسي، وتطوير آليات جديدة تعيد الثقة وتُعزز الحضور السياسي الفاعل لهذه الفئات في الحياة العامة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7