كتبَ طه كلينتش: مصباح الزيت

2020.11.20 - 05:10
Facebook Share
طباعة

 كانت المملكة المغربية الموجودة اليوم، قد دخلت تحت الحماية الفرنسية عام 1912. حيث رأى المستعمرون الفرنسيون الذين كانوا قد احتلوا الجارة الجزائرية، رؤية إدارة أكثر مرونة في المغرب. حتى ولو كان الاسم في الظاهر هو "حماية"، إلا أنّ الواقع كان يشير إلى أنّ كامل المغرب كان يخضع للنفوذ الفرنسي. وتماشيًا مع الاتجاهات المتصاعدة في العالم عقب الحرب العالمية الثانية، حصل المغرب على استقلاله عام 1956 في نهاية مرحلة واضحة المعالم. إلا أنّ المغرب كان بانتظاره صراع محتدم على السلطة بين العديد من الطبقات والشرائح، الملكيّة، والقوميين والمزارعين والتجار والبيروقراطيين الفرنسيين، والعسكر، والعرب والبربر، لتفوز الملكية أخيرًا في هذا الصراع.


كان عبد الكريم الخطيب من أبرز رموز المقاومة المغربية ضد فرنسا. إلى جانب عمله كجرّاح متخرج من كلية الطب، كان منغمسًا في نشاطات تسعى لجلب الاستقلال لبلاده، وفي هذا الصدد قام الخطيب مع البربري "محجوبي أحرضان" الذي كان هو الآخر أحد الأسماء البارزة في مقاومة النفوذ الفرنسي في المغرب، بتأسيس الحركة الشعبية عام 1959. لكن حينما بدأ أحرضان يتبع سياسة تقوم على الهوية الأمازيغية، استقال عبد الكريم الخطيب من عضويته تزامنًا مع انعقاد المؤتمر الخامس للحركة مطلع العام 1967.


في تلك الأثناء كان الخطيب قد تولى مهمات أساسية في إدارة الدولة، حيث شغل منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية عام 1960، ووزير الشؤون الإفريقية عام 1961، وأخيرًا رئيسًا للبرلمان عام 1965، كما كان يعمل عن كثب إلى جانب كل من الملك محمد الخامس، وحسن الثاني، منذ الاستقلال المغربي عن فرنسا. ولقد تعلّم من عمله مع الملوك الكثير من الجوانب المخفية في عملية إدارة الدولة، مما جعله شخصية موثوقة بنظر السلطة. ولا شك أنّ قربه من العائلة الملكية في المغرب، لعب دورًا هامًّا في خلافه مع أحرضان.


لم يلبث عبد الكريم الخطيب وقتًا قصيرًا من مغادرته للحركة الشعبية عام 1967، حتى توجه نحو تأسيس حزب جديد، حيث أسس الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، في فبراير/شباط من العام ذاته 1967. وكان شعار الحزب الجديد، عبارة عن مصباح زيت يضيء ما حوله. ومع مرور الوقت، نجده أنه منذ العام 1992 بدأ أعضاء "حركة الإصلاح والتجديد" المعروفين بميولهم الإسلامية، في الانضمام إلى حركة عبد الكريم الخطيب، ليتم الإعلان عن تغيير هذا الائتلاف السياسي الناشئ، ليحمل اسم "حزب العدالة والتنمية" عام 1998.


عقب ذلك، قرر الخطيب أن يرحل عن عالم السياسة، حيث سلّم راية الحزب من بعده إلى سعد الدين عثماني عام 2004. وحينما توفي في العاصمة الرباط في 28 سبتمبر/أيلول 2008، شارك في جنازته ممثلون رفيعو المستوى من العائلة الملكية والحكومة. الجانب اللافت في الأمر هو أن عثماني الذي أوكل إليه الخطيب الأمور من بعده، كان أمازيغيًّا. ولا شك أن ذلك قد أدخل العثماني التاريخَ بكونه أول بربري يترأس الحكومة في المغرب. لقد كان تعيين عثماني رئيسًا للوزراء عام 2017، الحلقة المكمّلة لسلسة من الإجراءات اتخذها المغرب تزامنًا مع انطلاقة الربيع العربي عام 2011، بدأها بإعلان اللغة البربرية لغة رسمية في البلاد.


أما الزعيم الأمازيغي أحرضان، فقد واصل قيادة الحركة الشعبية بعد رحيل الخطيب، واستمر في مزاولة الحياة السياسية. حيث خدم منذ العام 1961 حتى 1983 في وزارات مثل الدفاع والزراعة والنقل والتضامن الاجتماعي. لقد واصل أحرضان نضاله من أجل حقوق البربر في المغرب، منذ أن بدأ معترك الحياة السياسية، حتى إعلانه ترك منصبه خلال المؤتمر العام للحركة الشعبية عام 1986. معلنًا أنه سيمضي بقية حياته في الكتابة والرسم. جمع ذكرياته في 3 مجلدات كبيرة، أضحت بمثابة جهاز عرض قوي يعاين تاريخ بلاده القريب عن كثب.


توفي أحرضان صباح الأحد الماضي، 15 نوفمبر/تشرين الثاني، في مستشفى بالعاصمة الرباط، عن عمر ناهز 100 عام. لقد كان من السهل ملاحظة رموز التمييز بين العرب والبربر، من خلال النظر بين السطور المكتوبة والمرسومة بمناسبة وفاة أحرضان. لكن ومع ذلك ينبغي أن لا يشكل الخط الذي أسسه أحرضان أي خطر على الإدارة المركزية في المغرب، حيث أننا نجد الملك محمد السادس قد أرسل رسالة تعزية حارّة بوفاة السياسي الراحل.


عندما تتم قراءة تاريخ المغرب العربي، نجد أن هناك روايات تُثار حول صراعات بين القائد الأمازيغي طارق بن زياد، والحاكم العربي لشمال إفريقيا موسى بن نصير وجنوده. هذه الاختلافات التي زادت حدتها تزامنًا مع فتح الأندلس عام 711، استمرت على اعتبارها الجوف الناعم للحكم الإسلامي في شبه جزيرة أيبيريا، على مدى عدة قرون. أما اليوم فإننا حينما ننظر إلى المشهد السياسي في المغرب من جديد في سياق وفاة محجوبي أحرضان، نجد أمامنا العديد من القضايا البارزة التي تعود جذورها إلى قرون مضت عبر التاريخ، مما يجعل الإجابة عن سؤال؛ لماذا نقرأ التاريخ؟ شيئًا واضحًا للغاية.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 6