كتبَ مهدي عبد الله: محافظ نابلس.. الاعتذار وحده لا يكفي

2022.10.17 - 06:54
Facebook Share
طباعة

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، كما أخبرنا رسول الله الكريم عن الصفات الذميمة التي ليست من صفات المسلم فقال: ليس المسلم باللعان ولا بالصخاب ولا بالفاحش البذيء.

كما روى عن بعض السلف الصالح أنه كان حتى إذا خاطب بعض الحيوانات وهي لا تعرف الكلام تكلم عليها بقوله: (أصلحك الله)، فلما سئل عن ذلك، قال: أريد أن أعوِد لساني الكلام الطيّب.

وقديمًا كانت العرب تقول: (تحدث يا رجل كي أعرفك، فالرجل يُعرف بكلامه ومن سقطات لسانه).

كما قال الأديب الشهير وليم شكسبير: (لا تلعب بمشاعر الآخرين لأنك قد تربح اللعبة وتخسرهم جميعًا مدى الحياة).

التصريحات الإذاعية الخرقاء التي تفوَّه بها القيادي في حركة فتح محافظ نابلس اللواء إبراهيم رمضان قبل أيام قليلة لمحطة النجاح المحلية التي تبث من نابلس والتي تعرض فيها بالإساءة المباشرة للمقاومة ولأمهات الشهداء حيث وصف الأمهات الفلسطينيات اللواتي يدفعن بأبنائها إلى مقاومة الاحتلال بـ(الشاذات لأنهن يدفعن بأبنائهن إلى الانتحار ليعتقد الناس أنهن بذلك أصبحن مناضلات وهن لسن أمهات بل انتحاريات لا يمتلكن حنانًا في قلوبهن).

هذه الأقوال المنفلتة ما زالت تثير عاصفة هوجاء من السخط  والغضب وحالة مستشريه من الإدانة والاستنكار عبر مواقع التواصل الاجتماعي داخل فلسطين وخارجها لما تضمنته من أوصاف حقيرة ونعوت مقيتة ومفردات جارحة وتوصيفات مشينة لم ترد يومًا حتى على ألسنة أقذر قادة ومسؤولي الاحتلال الصهاينة.

الكثير من المعلقين وصفوا ما قاله محافظ نابلس بالسقطة الرهيبة الخارجة عن أبسط قواعد الأدب واللباقة والاحترام والأقرب إلى لغة الزعران وألفاظ  البلطجية وسلوكيات أرباب السوابق التي تسيد فيها (فحش الكلام وبَذاءَة اللسان وتلفيق التهم والأكاذيب وإشاعة الأباطيل)، كما وصفها آخرون بالتصريحات المفضوحة التي لا يتصف بها إلا من تدنت نفسه وهانت عليه قيمه وأخلاقه وسقطت نفسيته في مستنقعات الخزي وقلة الحياء وفي الشرع من قل (حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحب).

كما وجد عدد كبير من المتابعين أنها تتسق وتلتقي مع أهداف ورؤى الاحتلال في كي الوعي الفلسطيني لبث روح التفرقة والتشكيك بالمقاومة في مرحلة حساسة وخطيرة يصعد فيها الاحتلال وقطعان المستوطنين من جرائمهم بحق الفلسطينيين العزل ومقدساتهم وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك كما قيل أيضًا إنها تتزامن مع إصرار مسؤولي السلطة الفلسطينية على مواصلة الاعتقالات السياسية ومحاصرة وملاحقة وتسليم المقاومين عبر التنسيق الأمني المشؤوم الذي يهدد السلم المجتمعي ويضعف الحالة الوطنية المنتفضة في وجه الاحتلال.

ولا سيما في هذا الوقت الذي تتعرض فيه مدن الضفة للاعتداءات البشعة من قِبل العصابات الصهيونية الإجرامية، تطل علينا شرذمة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني وصفه الوطني تتلفظ بتعابير حقيرة تمس كرامة أمهات الشهداء الأكرم منا جميعًا والأشرف والأطهر والأعف في نساء الأرض نشتم رائحة أنفاسهم الكريهة وأجسادهم المنتنة بالخزي والعار بعدما ارتضوا لأنفسهم الهزيمة والانبطاح مقابل دراهم معدودات ووعود بمناصب وهمية من أجلها فرطوا بالأرض وشباب فلسطين وبعد إساءتهم الشنيعة هذه وبذات النهج والوقاحة يحاولون ثانية إيهام الآخرين بأنهم هم المخطئون وبأن البعض من المغرضين أخرجوا حديثهم عن سياقه ومقصده بغرض الطعن والتشويه بشخصياتهم الوطنية العظيمة.

بصوته الرخيم والمعروف للكثيرين الذي لا يمكن الادعاء بتقليده أو فبركته وفي حالة انحطاط وطني نادرة وفريدة لم يراعِ فيها وزنًا للعبارات والمفردات، هاجم محافظ نابلس بغلظة قلب واضحة وفظاظة لسان بينة، أمهات الشهداء الفلسطينيين، وقتل دموع الفخر في عيونهن بعدما علمن أبناءهن الشموخ والنضال وحب فلسطين والسعي نحو الكرامة والشهادة، بعد كل هذا هل بمقدور الشرفاء في كل شبر من فلسطين الحبيبة أن (يقولوا لجميع العوالق والطفليات من المتخاذلين والعملاء المتسلطين على إرادة الشعب وحرية الوطن السادرين في غيهم وضلالاتهم: إن أبطال المقاومة لا ينتحرون وإنهم لا يسعون إلى الموت بل إلى الحياة الحرة الكريمة الخالية من دنس الاحتلال ورجسه في زمن أصبحت الخيانة فيه مركزًا ونفوذًا وسلطة ولم تعد مجرد وجهة نظر وفكرة)، مثل تلك الشخصيات كثرت فوق تراب الوطن وهي التي أوردت الشعب الفلسطيني مهاوي الهوان ومهالك الردى بعدما أرسلوا أبناءهم خارج الوطن ليترعرعوا في الترف والعيش الرغيد دون أي علاقة تربطهم بفلسطين وأرضها وتركوا الوطنيين الشرفاء البسطاء يقدمون فلذات أكبادهم قرابين للموت والشهادة في مواجهة إجرام الاحتلال وبغيه.

بلا أدنى شك إن كل ما ورد من تخرصات على لسان محافظ نابلس لا يتناسب مع المهمة المقدسة لأمهات الشهداء والأمانة الثقيلة التي يحملنها على أكتافهن وهو مدان بكل المقاييس وغير مسؤول وخارج عن الصف والإجماع الوطني والأخلاقي الذي يلتزمه أبناء الشعب الفلسطيني الصامد والمجاهد الذين اتخذوا من المقاومة سبيلاً للخلاص من المحتل الذي بدأ يتذوق مرارة الهزيمة في قلعتي الصمود نابلس وجنين ولولا  ما يسمى زورًا باتفاق السلام ما كانت هذه الأشكال تعتلي مناصبها وتعمل لحماية الإسرائيليين وضمان حياتهم الطبيعية في ظل استمرار وحشية الاحتلال وبناء المستوطنات والملاحقة والحصار والقتل والإعدام الميداني.

السؤال المهم هنا هل هذا حديث ومنطق يصدر عن شخص مسؤول وكادر فتحاوي قديم شهد معظم معارك الثورة ورافق دماء الشهداء وعرف قهر السجون ونال قدرًا من التعليم ووصل إلى أعلى الرتب العسكرية؟ أم هي إغراءات الألقاب والمناصب والمكاسب التي أفقدت المسؤول  توازنه ورشده؟ إذ بدأ يهذي بتصريحاته الفاحشة التي سارعت به إلى متاهات التطبيل والتسحيج لاسترضاء قادة (تل أبيب) ورام الله فضلًا عن رغبته الأكيدة بالاحتفاظ  ببطاقة الـ(في أي بي) لعبور كبار الشخصيات من وإلى فلسطين المحتلة.

بملء الفم مرارة نعذرك أيها المحافظ، فالشهادة لا يفهمها إلا من عايشها والأم الفلسطينية ربما تكون شاذة فعلًا لكن ليس حسبما وصفتها، بل (شاذة بقوة صمودها وإيمانها ورباطة جأشها)، فنساء فلسطين هن من سليلات بيوت العز والشهامة، ومن لا يعرف قدرهن لا يعرف معنى الشرف والكرامة والوطنية والمواطنة.

ما دعاني لكتابة هذا المقال ما سمعته بأذني وطالعته بعيني من تطاول بشع وإهانة جسيمة من قبل محافظ نابلس لأمهات الشهداء ووصفهن بالشاذات رغم أنهن في الحقيقة نبراس الرؤوس ودرر التاج اللواتي لولا تضحيات أبنائهن ودمائهم الزكية لم يكن لفلسطين وثورتها وشعبها وجود، ولا اسم ولا نشيد ولا علم ولا رئيس ولا سلطة، حتى لو كانت بواقعها القائم صورية و شكلية.

يعتقد كثير من الأشخاص أن عبارات الاعتذار من شخص ما عند ارتكابه خطأ تجاه الآخرين تكفي لإصلاح العلاقة وجبر الخواطر، لكن علماء النفس يؤكدون أن ذلك غير كافٍ خاصة مع عظم الذنب وكبر الإساءة وفداحة الأذى وتكرار محاولات التبرير والتمويه وذر الرماد في العيون لترميم ما حدث، ولو كان منطقيًّا مسموحًا لأي إنسان أن يرتكب أخطاءه ثم يقدم فقط اعتذارًا عنها لعم الفساد الأرض وطفح فيها الظلم ولا يجوز أيضًا وبأي شكل نسب هذا الأسلوب إلى ثقافة الاعتذار أو انتقاد أمهات الشهداء وعموم الفلسطينيين الأحرار واتهامهم بعدم القدرة على استيعابه المبادئ العامة للاعتذار.

بناء على كل ذلك يجب محاسبة المخطئ وعدم التهاون مع المسيء أيًّا كان، ولهذا على كل الشرفاء والأوفياء في حركة فتح وكوادرها وأطرها التنظيمية المبادرة إلى تشكيل لجنة تحقيق وتقديم الأدلة والبراهين والقرائن التي تدين محافظ نابلس فيما قاله والعمل العاجل على فصله أو إقالته من منصبه أو إتاحة الفرصة أمامه لتقديم استقالته بما يحفظ ماء وجهه، لأن هذا العمل هو ما تفرضه الأمانة التاريخية والمصداقية الوطنية بكل حرص وشجاعة ردًّا لبعض كرامة أمهات الشهداء التي امتهنت ظلمًا وزورًا وعدوانًا.

نقول ولا نهول إن مليون اعتذار بشتى أنواعه وأشكاله لن يمحو الإساءة والخطيئة الكبيرة التي ارتكبها محافظ نابلس بحق أمهات أشرف الناس وأنبل بني البشر، واعتذاره غير مقبول البتة ليبقى في منصبه خاصة، وإنه أساء وهو رجل بالغ وراشد يتحلى بكامل حريته وإرادته وقواه العقلية والنفسية، وبما يفرض أن إساءته كانت عن قصد وتصميم وقناعة تامة في كل ما صرح به، وللحق والحقيقة نتساءل: ماذا يجدي بعد أن تداس كرامة أي إنسان ويحقر وتلطخ سمعته أن يقال له (أنا آسف لا أقصد)؟ وهل هذا يعفي الفاعل من تبعات المسؤولية والمساءلة؟ بالطبع لا، لأنه لن تستقيم موازين العدالة إلا بسوق المسيء إلى قاعة المحكمة وعودة الحق إلى أصحابه طال الزمان أو قصر.

على أبناء الشعب الفلسطيني بعد هذا الحدث المشين لفظ ونبذ أمثال هؤلاء المتخاذلين المتصهينين وتعريتهم وفضحهم وكشف نواياهم الخبيثة في الإساءة البالغة للنضال الفلسطيني ودماء الشهداء وكرامة الحرائر الشريفات والعفيفات والطاهرات اللواتي يعانين ألم العذابات وحسرة فقدان الأحبة، وكذلك يجب عدم السكوت أيضًا عن استمرار ظلم المسؤولين أو الرضوخ لفظاعة أعمالهم حتى يتم الخلاص منهم وترتاح أرض فلسطين من شرورهم.

ليعلم ثانية هؤلاء المرجفون في الأرض أن أمهات الشهداء ﻻَ يَلِدنَ ضِباعًا وسيبقين تيجان فخار للأمة كلها، والطاعنون بهن لا يستحقون أن يكونوا مكانس قذرة بأيديهن الطاهرة، فلا تثريب عليكن يا شرف الأمة وعنفوانها، فقد ألبسكن الشهداء الأبرار تاج العزة والافتخار.

 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 1