الى التي خاطت لنا الحياة من نسيجها الممزّق ألمًا، فالتقطنا أوّل الأنفاس على أنينها الممزوج بدموع الفرح، الى التي حاكت لنا فراش الأمان و الراحة من نور عيونها التي انهكها السهر، واغدقت علينا الحبّ مع لبنِ الرضاعة، الى الأمهات اللواتي لم يزلن يصارعن لأجل فلذات أكبادهن مع مطلع كلّ فجرٍ و حتى نهاية الغسق…
لم يوصِ بكِ الرحمن عبثًا، وحاشاه أن يفعل، ولم يوصِ بكِ الرسول ثلاثًا بغير طائل، لأنك سبب الحياة، وسرّ الوجود، و الماء الدافق في صحراء أيامنا القاحلة، لأنك حملتنا حيث لم يحمل أحدٌ أحدا، فكانت خلاياكِ لنا الغذاء، لا زلتِ الملجأ الآمن و الحضن الدافىء، الذي يقينا تعب النهارات الشاقة، و اليدَ التي تمسح عن الجباه عرق الجهاد، و الكلمات المفعمة بالحب والسكينة التي تزيل عن قلوبنا قسوة العالم في الخارج فتدبّ الحياة من بين الشقوق لتنبُت في عروقنا زهور الياسمين و الاقحوان…
في عيد الأمهات سلامٌ للواتي أنجبنَ للعالم الأبطال، لأمهاتٍ زرعن حب الوطن والوفاء في نفوس الأبناء، فكان الحصاد نصرًا و شهادة، للأمهات اللواتي حملن أبناءهن في النعوش قرابينَ على مذبح الوطن فسطّرن للمجد حكاياتٍ خالدة، للأم التي سهرت وهزّت المهد بيمينها فانتفض العالم بالأيادي المباركة، علمًا و حبًّا و أمجادًا، للأمهات اللواتي لم يختبرن مخاض الولادة و من حنايا عطفهن وعطائهنّ شقّ الحب طريقًا الى قلوينا، بهنّ من الأمومة نكهة فريدة، في قلب كل واحدة من العطف ما يوازي قلب أمّ، انتنّ الأختُ و البنت و العمة و الخالة التي ما انجبت مولودًا بل رعت و ربّت و احتضنت فكانت للامومة أيقونة لأنهن أمهات في ساح التضحيات و الحب و العطاء، يليق بهنّ عيد الأمهات، و يفيض من بين كفوفهن نبع الإيثار، دامت الأم ربيع أيامنا و الدفء الساكن في قلوبنا، تزهر من كفيها الأيام و بدعائها نبلغ العُلا، لأن الدمع يسابق ذكرك حبّاً، و لأن القلب ينبض باسمك شغفاً، لأنكِ دربَ الهُداة و ماء الحياة…