كيف سينعكس جفاف أنهار أوروبا وأمريكا والصين على العالم العربي

2022.08.23 - 10:03
Facebook Share
طباعة

 بشكل غير مسبوق منذ عقود، تواجه أنهار عملاقة في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، جفافاً عنيفاً يهدد بأزمة جوع عالمية، لن تسلم منها الدول المصدرة للغذاء، فضلاً عن المستوردة له على غرار البلدان العربية. فكيف سينعكس جفاف أنهار أوروبا والصين وأمريكا على المنطقة العربية ويهدد أمنها الغذائي؟

كيف يهدد جفاف أنهار أوروبا وأمريكا والصين الأمن الغذائي في الشرق الأوسط؟
جفاف الأنهار والحرائق والاحتباس الحراري وسرعة ذوبان الجليد، عوامل تهدد بشكل مباشر المحاصيل الزراعية التي يوجَّه جزء منها للتصدير إلى مختلف الدول العربية.

هذه التغيرات المناخية تهدد بارتفاع أسعار السلع عالمياً بشكل سيضاعف فاتورة استيراد الغذاء، وقد تعجز بعضها عن استيراد الكميات الكافية، بل قد لا تجد في السوق ما تشتريه حتى وإن توفرت لها السيولة الكافية.

وتضغط الحرب الروسية الأوكرانية بشدة على إمدادات الغذاء في العالم، وعلى أسعار الحبوب بالخصوص، ما يعقد الوضع الغذائي بالنسبة للدول الانخفاض العربية التي تستورد معظم الحبوب من روسيا وأوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

ومع ذلك، يمثل اقترابنا من نهاية فصل الصيف بارقة أمل نحو عودة الأمطار وارتفاع مستوى مياه الأنهار واستعادة الملاحة النهرية لذروة نشاطها، ما يقلص حجم الخسائر.

أنهار أوروبا تتبخّر
نهر الراين العابر لحدود 5 دول أوروبية من جبال الألب في سويسرا إلى غاية هولندا مروراً بألمانيا ولختنشتاين وفرنسا، يهدد القارة العجوز بـ"شلل اقتصادي"، كما تصف ذلك صحيفة "لابانغورديا" الإسبانية.

ومن المقرر أن يصبح نهر الراين -وهو أحد أعمدة الاقتصادات الألمانية والهولندية والسويسرية لعدة قرون- غير قابل لأن يُعبَر تقريباً عند نقطة طريق رئيسية، ما يعيق التدفقات الهائلة من الديزل والفحم.

وانخفاض مستوى نهر الراين إلى الثلث تقريباً (من متر ونصف إلى 56 سنتيمتراً) تسبب في خفض حمولة السفن 30%، ما سيضطر الشركات إلى نقل هذه النسبة من السلع عبر شاحنات، وبالتالي ارتفاع كلفة النقل ومدة التوصيل.

وستكون سويسرا ولختنشتاين، أكثر دولتين ستتأثران بجفاف نهر الراين باعتبارهما حبيستين ليست لهما أي إطلالة بحرية، ويمثل ذلك "كابوساً" حقيقياً، سيزيد حجم التضخم لديهما.

وكذلك نهر اللوار في فرنسا، الأطول بالبلاد، والذي انخفض مستواه بشكل مذهل بعد أن جفت جميع روافده، وانحصرت المياه عن ضفافه الرملية، وتقزم ليصبح أشبه بوادٍ.

ولن يطول تأثير انحسار نهر لوار وارتفاع درجة حرارة مياهه الزراعة والسياحة وصيد الأسماك فحسب، بل أيضاً إنتاج الكهرباء عبر 4 محطات للطاقة النووية تستعين بمياهه في عمليات التبريد.

ونهر "البو" الذي يقطع شمال إيطاليا على طول أزيد من 650 كيلومتراً، في مناطق تنتج معظم محاصيل البلاد، يواجه هو الآخر تراجعاً حاداً في مستوى مياهه، ما أثر على ري المحاصيل ومياه الشرب.

ولأول مرة في التاريخ، جفت منابع نهر التايمز أشهر أنهار بلاد الضباب، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية. وأعلنت بريطانيا رسمياً أنها تمر بحالة جفاف غير مسبوقة، بعدما تخطت الحرارة القصوى 40 درجة مئوية، وشح تساقط الأمطار خلال الأشهر الماضية.

أما نهر الدانوب، الذي يشق طريقه على بعد 1800 ميل عبر وسط أوروبا إلى البحر الأسود، فهو أيضاً مضطرب، ما يعيق تجارة الحبوب وغيرها، بحسب وصف وكالة Bloomberg الأمريكية.

والدانوب هو ثاني أكبر نهر في أوروبا بعد الفولغا، الذي يعبر أو يحاذي 10 دول أوروبية، ويلقب بنهر العواصم لمروره عبر 4 عواصم: فيينا (النمسا) وبراتيسلافا (سلوفاكيا) وبودابست (المجر) وبلغراد (صربيا).

ولم يشفع له ذلك أمام قسوة الجفاف، حيث وصل إلى أحد أدنى مستوياته منذ قرابة قرن، وكشف عن هياكل أكثر من 20 سفينة حربية لألمانيا في زمن النازية، وفق موقع "دي دبليو" الألماني.

الجفاف يزحف إلى أمريكا ويجفف أنهارها
لكن أزمة جفاف الأنهار لم تقتصر على أوروبا؛ إذ يعاني نهر كولورادو في الولايات المتحدة، والذي ينبع من جبال الروكي ويوفر المياه لولايات الغرب الأمريكي ويصب في المكسيك، هو الآخر من تراجع حاد في مستوى مياهه.

النهر الذي يعتمد عليه 40 مليون شخص في الولايات المتحدة والمكسيك، ويدعم إنتاجاً زراعياً بمليارات الدولارات في المنطقة، ينذر تراجع مستواه بفتح صراع على تقاسم مياهه بين عدة ولايات في الغرب الأمريكي، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية.

وأعلن مكتب الاستصلاح الأمريكي أن ممثلي ولايات "آريزونا، وكاليفورنيا، وكولورادو، ونيفادا، ونيو مكسيكو، ويوتا، ووايومنغ"، فشلوا في التوصل إلى اتفاق حول كيفية خفض استخدامهم للمياه بنسبة 15% على الأقل.

تعرَّض النهر للنضوب بشدة بسبب الجفاف الذي يقول العلماء إنه الأسوأ منذ 1200 عام، والذي تفاقم بسبب تغير المناخ. وبحيرة ميد، هي أكبر خزان من صنع الإنسان في البلاد، ممتلئة بأقل من الربع، حيث لن يكون لديها ما يكفي من المياه لإنتاج الطاقة الكهرومائية في سد هوفر.

الجفاف يضرب أيضاً 66 نهراً في الصين
وفي الصين التي يزيد عدد سكانها على مليار و400 مليون نسمة، يثير الجفاف الذي ضرب 66 نهراً في 34 مقاطعة بمنطقة تشونغتشينغ (جنوب غرب)، مخاوف إمدادات السلع بين المقاطعات، حسب التلفزيون الرسمي.

فنهر اليانغتسي، أطول أنهار الصين وثالث أطول نهر في العالم لم يسلم من ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي يطول أجزاءً واسعة من البلاد.

ومن مظاهر هذا الجفاف، تقلص بحيرة بويانغ إلى ربع حجمها لهذا الوقت، وأهميتها تكمن في أنها أحد أحواض الفيضان المهمة لنهر اليانغتسي، وفق وكالة شينخوا.

هذا النهر العظيم يقطع الصين عرضياً ليصب في بحر الصين الشرقي، ونضوبه يعني أن أكبر بلد من حيث السكان مهدد بالجوع، ما سيخلق طلباً غير مسبوق على إمدادات الغذاء في العالم.

جفاف أنهار القارات يهدد الأمن الغذائي العربي
إذا كانت أوروبا وشمال أمريكا، إحدى أكبر المناطق المصدرة للغذاء في العالم مهددة بتراجع المحاصيل الزراعية، فإن الأمر سيكون أسوأ بالنسبة للدول العربية التي تستورد بشكل متفاوت القمح والحبوب من هذه المناطق.

والخطر يتمثل في ارتفاع أسعار الحبوب العالمية بشكل يثقل فاتورة الغذاء العربية، خاصة للدول الهشة أو التي تعاني من أزمات أمنية واقتصادية أو لا تملك موارد كبيرة مثل النفط والغاز.

ومع إحجام عدد من الدول بما فيها العربية عن تصدير فائضها من القمح والأرز والذرة، إضافة إلى الفواكه والخضر، فقد يولد ذلك تنافساً شديداً على المعروض من هذه المنتجات في السوق الدولية.

وقد نجد أنفسنا أمام السيناريو ذاته الذي عاشه العالم في الأشهر الأولى من انتشار وباء كورونا، حول المستلزمات الطبية مثل الكمامات والمعقمات، ثم الصراع المحموم للحصول على اللقاحات.

ويعد الصومال واليمن أشد البلدان العربية تضرراً من أزمة الغذاء، بحسب تقرير لمنظمة الغذاء العالمي.

ولا تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح في الوطن العربي 41.6%، وتنزل إلى 23.4 للزيوت النباتية.

وتعد مصر والجزائر أكبر البلدان العربية استيراداً للقمح من روسيا وأوكرانيا وفرنسا.

وبالنظر إلى ارتفاع الأسعار فإن فاتورة استيراد القمح في مصر قفزت من 2.7 مليار إلى 4.4 مليار دولار للكمية نفسها، وفق تصريح لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في مايو/أيار الماضي.

هذا الوضع يصبح مأساوياً بالنسبة لدول مثل الصومال واليمن والسودان وسوريا، التي تعاني من أزمات أمنية وسياسية واقتصادية متداخلة، يجعلها بحاجة إلى مساعدات دولية.

وإذا عانت دول مثل الصين وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة من جفاف الأنهار وانهيار حجم المحاصيل؛ فإن المساعدات الغذائية للدول العربية الفقيرة ستكون شحيحة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 8