أوروبا تحارب طواحين الهواء

2022.08.23 - 09:55
Facebook Share
طباعة

 تسببت أزمة الغاز الروسي، التي تمثل كابوساً لأوروبا قبل الشتاء المقبل، في معركة عالمية هدفها سفن نقل الغاز المسال تحديداً، وتضاعفت أسعار الإيجار اليومي 3 مرات خلال بضعة أشهر، فإلى أين تتجه الأزمة؟

وقبل حتى أن يبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا أواخر فبراير/شباط الماضي، كانت أوروبا تسعى إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي، وكانت قضية الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا عبر خط أنابيب ينقل الغاز إلى ألمانيا وباقي دول القارة، تمثل نقطة خلاف كبرى بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتصاعدت حدة الخلاف مع مشروع نورد ستريم2، الذي أعلنت ألمانيا تعليقه مع بدء الهجوم الروسي.

كانت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية قد نشرت تقريراً عنوانه "أوروبا تخشى أن يكون الأوان فات للتخلص من إدمانها للغاز الروسي"، رصد كيف أن الهجوم على أوكرانيا قد تسبب في عرقلة جهود أوروبا البطيئة لفطام نفسها عن الغاز الطبيعي الروسي.

البحث عن بدائل للغاز الروسي
لكن بعد مرور 6 أشهر من الحرب في أوكرانيا وفرض الغرب أقصى عقوبات ممكنة ضد موسكو، أصبح البحث عن بدائل للغاز الطبيعي الروسي أمراً حتمياً بالنسبة للقارة العجوز، التي يبدو أنها تتجه نحو أكثر شتاء بارد وعاصف في تاريخها الحديث، ما لم تؤمن الحد الأدنى من احتياجاتها من الغاز قبل أن يلملم الصيف أوراقه ويرحل.

لكن يبدو أن العثور على مصدرين للغاز إلى أوروبا ليست المشكلة الوحيدة، على الرغم من محدودية إنتاج الغاز عالمياً بشكل عام، ووجود كبار منتجيه كقطر والولايات المتحدة بعيدين عن القارة العجوز، إذ تسببت أزمة الطاقة الأوروبية في اندلاع معركة عالمية من أجل خدمات ناقلات الغاز الطبيعي، ما أدى إلى نقصٍ في السفن، وزاد الارتفاع القياسي لأسعار الوقود، بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.

فقد كثّفت الدول الأوروبية مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال القادم من الولايات المتحدة، وقطر، وغيرها من الدول المصدرة خلال العام الجاري. وجاءت هذه الخطوة بالتزامن مع قطع روسيا لإمداداتها إلى القارة العجوز.

وتتنافس الدول الأوروبية مع نظرائها في آسيا على كمية محدودة من الإمدادات التي تنقلها أعداد محدودة من السفن، وخاصةً كوريا الجنوبية واليابان اللتين شهدتا ارتفاعاً في الطلب على الغاز إبان موجة الحرارة.

وزاد هذا التدافع من أعداد طلبات شراء الناقلات الجديدة المخصصة للغاز الطبيعي المسال، وهي سفن خاصة يساوي طولها 3 ملاعب لكرة القدم، ورفع أسعار تلك الناقلات بالتبعية. وشهدت أسعار استئجار الناقلات الموجودة قفزةً هي الأخرى، ما ساعد في رفع أسعار الغاز لمستويات قياسية داخل أوروبا وآسيا.

كما قفزت أسعار الغاز في أوروبا بنسبة 15%، يوم الإثنين 22 أغسطس/آب، بعد أن قالت روسيا إنها ستغلق خط أنابيب رئيسياً لإجراء صيانةٍ مفاجئة في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري.

وأدى ارتفاع الأسعار في أوروبا إلى صعود سوق الغاز الطبيعي الأمريكية بنسبة 3.7% إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008. ويتوقع التجار ارتفاعاً أكبر في أسعار الغاز وإيجار الناقلات في حال عودة الصين إلى السوق قبل الشتاء، بعد أن تراجع الطلب فيها نتيجة إغلاقات كوفيد-19.

السفن الناقلة للغاز.. معركة أوروبا
ولا شك أن التسابق على التعاقد مع ناقلات الغاز يمثل علامةً أخرى على تغيير خريطة الطاقة العالمية في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو". حيث زادت الحرب من شدة المنافسة على إمدادات الطاقة المحدودة، وأعادت توجيه تدفقات السلع، وأحدثت صدعاً في أجزاء من سوق النفط والغاز العالميين بالتزامن مع دفع أنصار روسيا وخصومها لأسعار مختلفة من أجل الحصول على الوقود.

وشهد الغاز الطبيعي المسال والناقلات التي تحمله طلباً مرتفعاً حتى قبيل الصراع بالتزامن مع قلة الطاقة الكهرومائية نتيجة الطقس القاسي، وسعي العديد من الدول للتوقف عن استخدام الفحم بغرض تقليل الانبعاثات الكربونية. لكن الحرب شحنت هذا الاتجاه وحفّزته أكثر.

وكانت روسيا تغطي 40% من إمدادات الغاز المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي قبيل الحرب، حيث كانت غالبية إمدادات الغاز تصل عبر شبكةٍ من خطوط الأنابيب. ولا شك أن تطوير شبكة خطوط أنابيب القارة لاستقبال الواردات من الدول المصدرة القريبة الأخرى سيستغرق بعض الوقت، لهذا أصبح الغاز الطبيعي المسال يمثل البديل الأساسي على المدى القريب. إذ يُمكن شراء الغاز الطبيعي المسال من الدول المنتجة البعيدة، قبل شحنه إلى أوروبا بسعرٍ أعلى.

ولا تتوافر للإيجار حالياً سوى ناقلة غاز طبيعي مسال واحدة جاهزة لرحلةٍ واحدة فقط في آسيا بعد شهرين أو أكثر من الآن وفقاً لجيسون فير، رئيس استخبارات الأعمال في شركة السمسرة البحرية Poten & Partners. بينما لا تتوافر أي ناقلات للمحيط الأطلسي.

فيما قال توبي كوبسون، رئيس التجارة والاستشارات في Trident LNG التي يقع مقرها بشانغهاي، لصحيفة وول ستريت جورنال: "سيقتنص المشترون كل العقود الموجودة. ونشهد في الوقت الحالي مزاداً مفتوحاً بين أوروبا وآسيا، ما يتسبب في رفع أسعار السوق".

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 4