كتب وائل نجم: هل تشتعل ثورة الرغيف في لبنان؟

2022.07.30 - 12:54
Facebook Share
طباعة

برزت في الأيام القليلة الماضية أزمة الخبز في لبنان بشكل كبير، فشهدت الأفران طوابير من اللبنانيين الذين اصطفّوا من أجل الحصول على ربطة خبز واحدة من القياس الكبير، وأخرى من القياس الصغير في مشهد ذكّر بطوابير السيارات التي كانت تصطفّ أمام محطات المحروقات ساعات طويلة للحصول على صفيحة وقود من البنزين أو المازوت، ثم انتهت تلك الأزمة بعد أسابيع برفع الدعم الحكومي عن الوقود، حتى بلغ سعر صفيحة البنزين أو المازوت أكثر من ستمائة ألف ليرة لبنانية، قافزاً بذلك أكثر من عشرين ضعفاً عن سعره الذي كان عليه.

أزمة الخبز أخطر من أزمة المحروقات، فهي تتّصل بمسألة الأمن الغذائي لدى الإنسان في مواجهة الجوع. ولذلك تحوّلت طوابير كثيرة أمام الأفران إلى تضارب ومشكلات بين المصطفّين على أفضلية الحصول على ربطة خبز، وقد سقط في بعضها جرحى، وتحوّل بعضها الآخر إلى مواجهاتٍ محدودة بين مواطنين لبنانيين وآخرين من اللاجئين السوريين، زاد من حدّة النظرة بين الطرفين، وهدّد بارتفاع منسوب الكراهية والعنصرية على خلفية اتهام اللاجئين بجزء من المسؤولية عن أزمة الخبز، وهو ما جاء عليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، خلال جلسة لحكومته أمام المجلس النيابي يوم الثلاثاء (26/7/2022)، عندما قال أمام النواب: "معظم ربطات الخبز التي يجري إنتاجها تذهب لغير اللبنانيين والجميع يعلم ذلك".


وتعود أزمة الخبز في لبنان إلى جملة أسباب، كما في أزمة الكهرباء والأدوية والمحروقات وغيرها، فالوضع الاقتصادي المتدهور الذي بلغه لبنان خلال الأعوام الأخيرة هدّد بانهيار اقتصادي شامل جرّاء فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام العملات الأجنبية، وديون لبنان بلغت مستوياتٍ متقدّمة عجز عن سداد بعضها، ما جعل تصنيفه الائتماني عند درجات متدنية، والسياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة انطبق عليها مثل النّعامة التي دفنت رأسها في الرمال ظناً منها أنّ العالم لم يعد يراها، والسياسات المالية للحكومات المتعاقبة درجت على الهروب إلى الأمام في مواجهة الأزمات، ما جعلها عاجزة عن مواجهتها لاحقاً من خلال لجوئها إلى سياسة الدعم المفتوح من دون ضوابط ومن دون مراقبة، وهو ما ساهم في استنزاف خزينة البنك المركزي من العملات الصعبة تدريجياً، وهذا فاقم من حجم الأزمة، وصولاً إلى العجز عن توفير الدعم لأهم مادة تتعلق بحياة الإنسان، الطحين.

بين تراشق الاتهامات بين المسؤولين والتجار، يذهب المواطن "فرق عملة" ويدفع الثمن

يتقاذف المسؤولون الاتهامات عن هذه الأزمة وعن غيرها، ففي وقت يتهم فيه وزير الاقتصاد أمين سلام تجّار الطحين باحتكار المادة التي ما زالت مدعومة بشكل محدود، بهدف زيادة أرباحهم، يتهم أصحاب الأفران المسؤولين في المواقع الرسمية والحكومية بالتلكؤ والمماطلة في صرف الاعتمادات المالية اللازمة لتأمين الطحين إلى الأسواق، وبين هذه الاتهامات وتلك يذهب المواطن "فرق عملة" ويدفع الثمن، ولكن السؤال الأساسي والجوهري أمام هذه الأزمة التي تهدّد حياة الإنسان، هل ستدفع هذه الأزمة اللبنانيين إلى ثورة جديدة تطيح المنظومة الحاكمة، ومن يقف خلفها تحت عنوان "ثورة الرغيف"؟

في العام 2019 فاجأ اللبنانيون السلطة القائمة بثورة عارمة خارج القيد الطائفي والمذهبي والسياسي والمناطقي، بسبب اقتراح حكومي في حينه فرض ضريبة بسيطة على استخدام تطبيق "واتساب"، وكادت تلك الثورة أن تطيح السلطة بعدما أطاحت الحكومة التي استجاب رئيسها في حينه سعد الحريري لضغط الشارع. ولكن التجارب بعد ذلك لم تكن مشجّعة ومؤمّلة لاستعادة الثورة، فالسلطة رفعت الدعم عن المحروقات وعن الأدوية وعن بقية المواد الضرورية، كما أنّها فشلت في تأمين أكثر من ساعتي كهرباء خلال اليوم للمواطنين، وغيرها وغيرها الكثير، ومع ذلك كله لم تشتعل الثورة من جديد. ربما هذه المرّة تكون أزمة الخبز التي تتصل بجوع اللبنانيين عود الثقاب الذي سيشعل ثورة الخبز أو ربما يشعل الحرب الأهلية.

المقال لا يعبر عن رأي الوكالة وانما عن رأي كاتبه فقط

المصدر: العربي الجديد 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 7