كتب جيرار ديب: تنافس دولي وصل إلى القمر

2022.07.21 - 01:08
Facebook Share
طباعة

"هناك سباق جديد إلى القمر، هذه المرّة مع الصين"، بهذه العبارة بدأ رئيس وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، بيل نيلسون، تصريحاته لصحيفة بيلد الألمانية، 2 يوليو/ تموز الحالي. وقال: "يجب أن يساورنا قلق شديد من أن تهبط الصين على سطح القمر، وأن تقول هذا لنا الآن وأنتم ستبقون خارجه، فبرنامج الفضاء الصيني بحسب زعمه هو برنامج فضاء عسكري".

لم يعد يخفى على أحد الصراع على السيطرة بين الصين وأميركا، خصوصا بعد وصول الرئيس الأميركي، جو بادين، ووضع إدارته سياسة الاحتواء للمدّ الصيني في العالم، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل أيضًا في مختلف المجالات. وكأن الأرض لم تعد تتسع لطموحاتهما العدائية والتنافسية، بل وصل الصراع على ملكية القمر، وربما إلى ما بعد القمر في المستقبل.


لا ترغب الصين في التعاون الفضائي مع الولايات المتحدة، هذا ما قاله نيلسون، إذ ذكر أنه على عكس برنامج "أرتيمس" الأميركي، الذي يتشارك بنتائجه مع وكالات مختلفة، لا يرغب الصينيون في مشاركة نتائج أبحاثهم واستخدام القمر على نحو مشترك. لم تعلم إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، أن عقوباتها التي فرضتها على الشركات الصينية، والضرائب التي أضيفت على استيراد السلع الصينية، ستكون عكس توقعاتها، وأنها لن تكون نهاية التنين الصيني، بل ستوقظه من سباته. إذ يبدو أن القيادة الصينية كانت بانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على أي تعاون مع الأميركي، وما ساعدها على ذلك إعلان روسيا الحرب على الغرب، بهدف تغيير النظام العالمي القائم.

تعمل الصين على إرسال رواد فضاء خاصّين بها إلى القمر، وهبطت على سطح القمر عدّة مرات باستخدام روبوتات بحثية، كما نجحت في جلب صخور من القمر إلى الأرض لدراسة طبيعتها. وبحسب تقارير إعلامية رسمية في الصين، من المقرّر في العقد المقبل إقامة محطّة دائمة على القمر في خطوة لاحقة. وبحسب التقارير ذاتها، هذا المشروع الذي تنوي الصين إقامته في المستقبل القريب، قد تبنيه وتشغلّه مع الشركات الروسية.

وصل الصراع على ملكية القمر، وربما إلى ما بعد القمر في المستقبل

التخوّف الأميركي لا يتوقف على مدى التطور الذي يقوم به الخصم الصيني، من خلال تقديم تكنولوجيا متطوّرة على صعيد الفضاء، أو فرض السيطرة على القمر كما ذكر نيلسون، فالتخوف الحقيقي عند الأميركي يترجم في أن تكون الصين تعمل لأجل أغراض عسكرية، في مقدمتها تدمير أقمار صناعية ذات بعد عسكري، أو حتى في سعيها إلى فرض سيطرة فضائية، تكون قادرة على التشويش على أقمار الغرب والتجسّس وسرقة مخزون معلوماتهم، فالصراع لا يأخذ طابع المنافسة بينهما، بقدر ما تعدّى ذلك ليتمثل في صراع القوة الصاعدة والقوة الفارضة بحسب "فخ ثيوسيديدوس".

من مظاهر إصرار بكين على منافسة الولايات المتحدة في الفضاء، أنها باشرت في عملية بناء أول محطة فضائية صينية "تيانجونج" (قصر السماء) وبناؤها يسير على قدم وساق. وكانت الصين قد خصّصت مليارات الدولارات للاستثمار في برنامجها الفضائي، واستطاعت بالفعل تحقيق النجاحات المهمة. وتعد الصين أول دولة تهبط بمركبة فضائية ومركّبة استكشاف على الجانب المظلم من القمر.

بالتوازي مع ما يشهده شرق أوروبا من حرب حقيقية بين الغرب وروسيا، حيث تعمل الأخيرة على قلب النظام الدولي وإعادة بنائه بما يتناسب مع مصالحها ومصالح حليفتها الرئيسية الصين، اعتمدت الصين موقفًا حازمًا إلى جانب روسيا، وأبت الانصياع للدعوات الغربية في إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، لأنها تدرك أن الغرب يريد الالتفاف عليها بعد استنزاف روسيا في أوكرانيا. لهذا يأخذ الغرب موقفًا داعمًا بشكل مطلق للرئيس الأوكراني، زيلينسكي، في صد الهجوم الروسي، كما وإنه يقف إلى جانب شبه الجزيرة التايوانية بوجه الصين التي تطالب بانضمامها إلى البرّ الصيني.

تعمل الصين على إرسال رواد فضاء خاصّين بها إلى القمر

صحيح أنّ الولايات المتحدة تعتمد سياسة الاستفزاز في بحر الصين الجنوبي، من خلال إقامة مناورات عسكرية على حدودها، وأنها شكّلت تحالفًا رباعيًا (كواد) من اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة لردع الطموح الصيني من التوّسع لتحقيق مشروع الطريق والحزام، إلا أن الأكيد أن الصين تعتمد سياسة التربص والصبر، ولا تنوي الانجرار إلى حروب مباشرة مع أحد، فقرار الصين هذا لا يأتي نتيجة الخوف من أعدائها، بقدر ما ينمّ عن قدرتها على توجيه الحرب إلى أن تكون غير مباشرة مع أعدائها، وما حرب الفضاء إلا واحدة منها.

لن يكون العالم كما تمنّاه الكاتب الأميركي، فرانسيس فوكوياما، بانتصار الليبرالية ونهاية التاريخ، بل حتما هو سيأخذ منحى آخر، إذ قد يشهد نهاية الليبرالية إن استمرّت الدول الصاعدة (الصين وروسيا) بتوجيه ضرباتٍ مؤلمةٍ ومقلقةٍ للنفوذ الغربي في العالم. فعلى سبيل المثال، طوّرت الصين أسلحة تكنولوجية قادرة على تدمير الأقمار الصناعية الأميركية، هذا ما يعتبر جزءًا من التنافس المتزايد مع الجيش الأميركي في الفضاء.

أخيرًا، لا تكمن خشية المحللين من الوتيرة المتصاعدة المتسارعة لعمليات إطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية الصينية، أو من إحجامها عن مشاركة تفاصيل المشروعات التي تعد ذات أهمية وطنية بالغة مع أحد. بل في ما قد يؤدّي هذا إلى إنضاج الظروف المناسبة للدخول في سباق تسلح فضائي جديد مع الولايات المتحدة، أرادت ذلك أم لا. عندها قد لا يقتصر الوضع على التنافس بين العملاقين لتغيير واقع معين، أم للحفاظ على واقع قائم، بل سيتعدّى ذلك إلى حرب فضاء بينهما تؤدي إلى تدمير البشرية.

المقال لا يعبر عن رأي الوكالة وانما عن رأي كاتبه فقط

المصدر: العربي الجديد 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 10