كتب ماجد عزام: احتواء أميركي للسلطة الفلسطينية

2022.07.14 - 08:50
Facebook Share
طباعة

 تمارس الإدارة الأميركية، برئاسة جو بايدن، سياسة احتواء واضحة ومتعدّدة الأبعاد، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، تجاه السلطة الفلسطينية، بهدف تقويتها وضمان بقائها وعدم انهيارها، وفي الوقت نفسه، عدم تبنّيها سياسات ومقاربات تصعيدية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع في فلسطين والمنطقة، بما يؤثّر سلباً على السياسة الأميركية المستجدّة في المنطقة، نظراً إلى مركزية القضية الفلسطينية وأهميتها سياسياً وشعبياً أيضاً.

من الناحية السياسية، تكاد الإدارة تخرُج عن طوْرها من أجل التأكيد على تمسّكها بحلّ الدولتين، ولو نظرياً، علماً أنه يمثل المصطلح السحري لتهدئة وطمأنة السلطة التي تبدو مستلبةً الشعار نفسه أكثر من جدّية (وإمكانية) تطبيقه، تماماً كما قبلت ببقاء جسد السلطة نفسها، بغضّ النظر عن روحها. ولذلك عمدت إدارة بايدن إلى رفع مستوى الاتصالات، وإبقاء القنوات مفتوحة مع السلطة. وخلال الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) فقط، اتصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن مرتين برئيس السلطة محمود عباس، كما أرسل مساعدته لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف إلى رام الله. أما نائبها مسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي هادي عمرو، فيعمل تقريباً في الفترة الأخيرة وبانتظام على خط واشنطن - رام الله. وتهدف هذه الاتصالات الأميركية إلى احتضان السلطة واحتوائها، عبر تبنّي المصطلح السحري للتأكيد على حلّ الدولتين وطمأنتها، أو خداعها وإلهائها للدقة، بفكرة العمل على إبقاء الأفق مفتوحاً له، حتى مع الإقرار أن لا فرصة جدّية أمامها، أقله في المدى المنظور.

في سياق الاحتضان – الاحتواء، يجرى التأكيد دائماً على حضور الملف الفلسطيني في جولة الرئيس بايدن المرتقبة إلى المنطقة الأسبوع الحالي، حيث سيزور بيت لحم ويلتقي الرئيس محمود عبّاس، لعزف موّال حلّ الدولتين، وربما يزور مستشفى فلسطينياً في القدس الشرقية، للتأكيد على الاعتراف بأنها محتلة وعاصمة محتملة للدولة الفلسطينية، وفي الحد الأدنى، التمايز عن قرار سلفه دونالد ترامب الاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل، حتى لو لم يُلغه رسمياً. هذا على الرغم من عدم تنفيذ تعهدات بايدن السياسية للفلسطينيين المتضمّنة إعادة افتتاح القنصلية الأميركية بالقدس، وإعادة افتتاح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإزالة المنظمة من لائحة الإرهاب الأميركية كما جرى مثلاً مع حركة كاخ الصهيونية العنصرية، إلا أن الإدارة قرّرت، في المقابل، الاكتفاء بتغيير اسم وحدة الشؤون الفلسطينية وتحويلها إلى مكتب مستقل، وفصله عن السفارة الأميركية في القدس، وربطه مباشرة بوزارة الخارجية في واشنطن.
ثمّة أمر آخر لا يقل أهمية عن الدعم السياسي وشرعنة السلطة وإبقائها في دائرة الضوء، ويتمثل بالدعم الاقتصادي لها. ولذلك، أعادت الإدارة دعمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وعلى الرغم من وجود عوائق قانونية أمام الدعم المباشر للسلطة، إلا أن العمل جارٍ لتمريره عبر الوكالة الأميركية للتنمية ومنظمات دولية مختلفة. كما تقف إدارة بايدن كذلك وراء عودة الدعم الأوروبي غير المشروط للسلطة الفلسطينية، ورفع "الفيتو" من بعض دول أوروبا الشرقية سابقاً، علماً أن الرقم كبير نسبياً ويقارب 300 مليون يورو سنوياً، حيث ستُرسَل ميزانيتا عامي 2021 و2022، أي أكثر من نصف مليار يورو، لإنعاش خزينة السلطة والتخفيف من أزمتها المالية الخانقة. إلى ذلك، تضغط واشنطن على الدول العربية، خصوصا الخليجية، لاستئناف دعم السلطة، مع إعلان هذه الأخيرة أن كل الدول العربية تقريباً، باستثناء الجزائر، لا تفي بالتزاماتها المالية لها، بينما طالب القيادي عزام الأحمد، صراحة، الإدارة الأميركية، "لضمان نجاح زيارة بايدن"، برفع الحظر عن الدعم المباشر، كما إقناع الدول العربية بإعادة الدعم بعدما أوقفته التزاماً بمحاذير إدارة دونالد ترامب السابقة.

لا بد من لفت الانتباه كذلك إلى استمرار العلاقة الأميركية مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، العلاقة التي استمرّت أساساً بطلب إسرائيلي وعدم ممانعة من ترامب. وفي سياق تهدئة السلطة وطمأنتها، تدعم الإدارة، أيضاً، اختيار أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، وتهيئته خليفة لمحمود عبّاس، ضمن ترتيبات انتقال قيادي هادئ، كما لا تمارس أي ضغوط لإجراء الانتخابات أو إصلاحات جدّية وجوهرية في مؤسسات السلطة، وتتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسمية، بما في ذلك جريمة مقتل الناشط نزار بنات الفجّة والفظّة من أجهزة السلطة الأمنية.
العمل الأميركي المستمر لاحتواء السلطة يشمل التوسّط لإبقاء القنوات مفتوحة بين رام الله وتل أبيب، وتشجيع وزير الدفاع، الجنرال بيني غانتس، على مواصلة لقاءاته مع رئيس السلطة. كذلك حث وزير الخارجية السابق رئيس الوزراء الانتقالي يئير لبيد على الانفتاح على تلك اللقاءات وتأييدها، حتى لو لم يلتق هو شخصياً بمحمود عبّاس بعد، بموازاة الضغط لتسليم أموال المقاصّة وعائداتها، وحتى قروض مالية للسلطة من تل أبيب.
لا يقتصر الاحتواء الأميركي للفلسطينيين وقضيتهم على الضفة الغربية، وإنما يشمل غزّة أيضاً، ولو بأشكال ووسائل أخرى، عبر دور مركزي للنظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، حيث لا تخفي واشنطن دعمها القوي استمرار التسهيلات والتحسينات في غزة، وعدم ربط كل شيء بالجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركة حماس، لمنع التصعيد أو الانفجار، بما ينعكس سلباً على المنطقة، وبالتبعية، على السياسة الأميركية الإقليمية المستجدّة. وعموماً، يسعى الاحتواء الأميركي، بما في ذلك لقاء قادة السلطة في بيت لحم، إلى التغطية على الهدف المركزي لزيارة بايدن المنطقة، وهو غير فلسطيني بامتياز، ومحطة بيت لحم تأتي فقط لضمان عدم تشويش السلطة أو القضية الفلسطينية على ذلك الهدف الإقليمي التطبيعي الإبراهيمي بامتياز. حيث تسعى واشنطن إلى منع السلطة من اتخاذ خطوات جارفة، مثل سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف العمل بالاتفاقيات معها، بما في ذلك التنسيق الأمني أو حتى التفكير الانتحاري في حلّ السلطة، وإلقاء المفاتيح على الطاولة بطريقة عليّ وعلى أعدائي، حسب التعبير الحرفي للرئيس محمود عبّاس. وذلك لتفادي مراكمة العراقيل أمام عودتها إلى جوهر الاتفاقيات الإبراهيمية التطبيعية التي بدأتها إدارة ترامب وتجاهلها بايدن كلياً عند تسلمه السلطة، بينما باتت تتموضع الآن في صلب جولته المرتقبة للمنطقة. ومن هذه الزاوية أيضاً، تبدو زيارة بيت لحم بمثابة تطييب خاطر للسلطة، وإرضائها معنوياً وإقناعها بقبول الواقع الراهن، وتطمينات خطابية ولغوية عن حلّ الدولتين. رغم غياب العمل الجدّي لبلورة أفق سياسي للتحرّكات الجارية، حيث يقول قادة السلطة في مجالسهم الخاصة أنها طولبت، أولاً، بانتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية أوائل العام الماضي، ثم تشكيل حكومة التغيير الثلاثية بقيادة بينيت - ليبيد - غانتس، وتمرير الميزانية لعدم سقوط الحكومة أواخر العام نفسه، والآن يطالبونها بانتظار انتخابات مبكّرة أخرى، وتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة الذي سيتزامن مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس خريف العام الجاري، ثم دخول الولايات المتحدة أجواء الانتخابات الرئاسية الربيع المقبل.

في انتخابات التجديد النصفي، ثمّة دلائل على هزيمة متوقعة للحزب الديمقراطي، وتحوّل بايدن إلى بطّة عرجاء، ما يعنى أن ما عجز عن فعله فلسطينياً في النصف الأول من ولايته لن ينجزه ضعيفاً مكسور الجناح في آخرها، خصوصا مع الدعوات المتصاعدة شعبياً، وحتى حزبياً، لعدم ترشّحه لانتخابات الرئاسة، وهو ما لم يحصل مع أي رئيس أميركي، أقله في نصف القرن الأخير.
بناءً على ما سبق كله، لا بد من بذل جهد فلسطيني كبير، وعدم الاكتفاء برد الفعل والتلقي، بل المبادرة إلى فعل مدروس وممنهج، يتضمّن، بالضرورة، تنفيذ تفاهمات المصالحة وإنهاء الانقسام، والذهاب إلى انتخابات شاملة لتجديد الشرعيات، والتوافق على استراتيجية وطنية واسعة، لا تصطدم مباشرة مع التوجهات الإقليمية الجديدة، بينما تسعى، بعناد وتصميم، إلى إفراغها من محتواها، وإبقاء القضية الفلسطينية حيّة على الطاولة، عبر تبنّي المقاومة الشعبية بوتيرة هادئة، ولكن متواصلة، لتظهير الوضع على حقيقته في فلسطين، وفرض حضور الشعب المقاوم العنيد المتمسّك بحقوقه غير القابلة للتصرّف في السيادة والاستقلال والعودة وتقرير المصير.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3