كتبَ رفيق جريش: هل السياسة أولاً أم الإعلام؟

2022.04.08 - 10:10
Facebook Share
طباعة

 نلاحظ في مصر وفى دول كثيرة من العالم صراعًا علنيًا وخفيًا بين السياسة والإعلام، وهو صراع قوى، ومَن منهما سيكون له اليد العليا أو من يقطر من؟ هل السياسة تقطر الإعلام أم الإعلام يقطر السياسة؟.


السياسة بمفهومها العملى هي التي تمتلك رؤية لكيفية حكم البلاد ووضع السياسات الملائمة وتنفيذها للنهوض بالشعب اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا.. وإلى آخره، وعلى الإعلام أن يساند أو يعارض أو يكشف أو يدرس أو يوعى الشعب بتلك السياسات، أي أن الإعلام هو خادم للسياسة. ولكن ما نراه اليوم هو أن الإعلام يقطر السياسة ويدخلها في مناطق صراع أو دفاع دائم عن النفس، كأنها تلهث وراء الإعلام مبررة رؤيتها وإدارة تنفيذها.. فتتشتت الجهود هنا وهناك ويتشتت معها الشعب ويفقد التركيز في المواضيع ذات الأولوية بالنسبة له للنهوض وبناء الوطن، فالإعلام قد يجرّنا إلى مواضيع ثانوية أو «تافهة» تعمل من «الحبة.. قبة» كما يقول المثل الشعبى، وتأخذنا بعيدًا عن الهدف الرئيسى وهو بناء الوطن.


من المعروف أن السياسة إيقاعها أبطأ من إيقاع الإعلام، لأنها تدرس مواضيعها بعناية وبهدوء، وتعطى لنفسها الوقت أن تبحث في الاختيارات المختلفة، وأن تعطى لنفسها المساحة للمناورة، خاصة في السياسة الخارجية، بينما الإعلام إيقاعه أسرع، لأنه يبحث عن السبق الصحفى أو نجاح البرامج الحوارية بعرض ما يزيد نسبة القراءة والمشاهدة.. وكما قلت سابقًا في كثير من المواضيع، قد تبعد الشعب عن الهدف الرئيسى ونسيت أو تناست وسائل الإعلام خدمتها الرئيسية وهى خدمة السياسة وتوعية الشعب وتذكيره دائمًا بالقيم العليا، فمثلًا العمل بأمانة والعطاء من أجل الآخر والوطن.. وأعطى مثالًا على ذلك ففى الصحف وبرامج الفضائيات تتكلم عن موضوع «الزبالة»، وتتبارى وسائل الإعلام في إظهار فشل المسؤولين عن البيئة والوزراء ومهاجمة المحافظين والمحليات، ولم أجد برنامجا واحدا لتوعية المواطنين بضرورة عـدم إلقاء القمامة في الشارع أو فرزها وكيفية جمعها في أكياس.. إلى آخره، وأن النظافة من الإيمان ومن التحضر.


وبوسع وسائل الإعلام أن تساهم في علاج المشاكل وتسليط الأضواء على أسبابها وكيفية تلافيها، ومن هنا تكون وسائل الإعلام بالفعل أداة ذات فاعلية في تحديد المشكلات الاجتماعية.. ولا ينحصر دورها فقط في المشكلات الاجتماعية، وإنما يتسع ليشمل جميع المشكلات الأخرى من اقتصادية وسياسية وثقافية.


مثل آخر: الكل يتكلم عن المرور السيئ والزحمة، ولكن لا نرى برامج لتوعية السائقين بضرورة آداب القيادة وعدم الدخول في الممنوع أو الوقوف في الصف الثانى أو الثالث وتعطيل المواطنين الآخرين وعدم تعاطى المخدرات أثناء القيادة.. وإلى آخره.


فالإعلام يساهم بقوة في تشكيل المواقف وآراء المجتمع تجاه القضايا المختلفة التي تواجهه وفى ترسيخ القيم والمبادئ، بالإضافة للدور الحيوى الذي تلعبه في حياة الناس، فالمسؤولية الملقاة على عاتق الإعلام كبيرة، إذ تساعد على غرس القيم الإنسانية في المجتمع. حقيقةً، الإعلام فقدَ دوره التنويرى للشعب وركز على الصراعات والفضائح الشخصية التي ليست لها أهمية، لأن الأهم هو بناء الوطن والمواطن كما يطلب منا السيد الرئيس ليلًا ونهارًا، وأصبحت البرامج تتنافس حتى ما بين المذيعين.. من صوته أعلى من الآخر، ومن يتجرأ في إصدار أصوات وإيحاءات تخرج على الآداب العامة لترفيه بعض المشاهدين. لا وألف لا.. أيها الزملاء الأعزاء، مهما وضعنا من مواثيق شرف، فهى لا تجدى إذا فقدنا الهدف الأساسى والأسمى والقيم التي نريدها لشعبنا، وخاصة الشباب، وأن يتربى عليها لرفعة وطننا.

 

 المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3