أمريكا والصين وتايوان… أزمة مركبة ذو أبعاد تاريخية

2022.03.03 - 08:45
Facebook Share
طباعة

 مازالت الحرب الروسية الأوكرانية تلقي اهتماما كبيرا على مستوى العالم، على الجانب الآخر يبدو أن هناك أزمة تلوح في الأفق بين الصين وتايوان لم يُعرف مداها بعد.

وشدد وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو على ضرورة عدم السماح بغزو الصين لجزيرة تايوان، كما حدث بين روسيا وأوكرانيا.

وتعتبر بكين تايوان جزء لا يتجزأ من الصين الأم. وكانت الصين قد فرضت عقوبات على 28 شخصا ومسؤولا أمريكيا بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو.

واتهمت بكين المسؤولين الأميركيين ب"انتهاك سيادة الصين بشكل خطير وأنهم كانوا مسؤولين بشكل أساسي عن التحركات الأمريكية بشأن القضايا المتعلقة بالصين".

وأبحرت سفينة حربية أمريكية مؤخرا عبر مضيق تايوان، واعتبرته واشنطن نشاطا عاديا، لكنه أثار استياء بكين.

وتشهد العلاقات الصينية الروسية تطورا كبيرا، و تجمعهما الكثير من الشركات في مختلف المجالات خصوصا السياسية والإقتصادية والعسكرية، وقد بدا ذلك واضحا مؤخرا من خلال إنضمام الصين إلى روسيا في رفضها توسيع حلف الناتو ليشمل أوكرانيا أيضا.

وتاريخيا؛ كان أول المستوطنين المعروفين في تايوان هم قبائل أوسترونيزيان، الذين يُعتقد أنهم أتوا من جنوب الصين الحالية.

ويبدو أن الجزيرة ظهرت لأول مرة في السجلات الصينية عام 239 بعد الميلاد، عندما أرسل الإمبراطور كتيبة لاستكشاف المنطقة، وهو سلوك كانت تتبعه بكين لدعم مطالباتها الإقليمية.

وبعد فترة وجيزة نسبيا من كونها مستعمرة هولندية (1624-1661)، كانت تايوان تدار من قبل أسرة تشينغ الصينية من 1683 إلى 1895. كان معظمهم من قبائل هوكلو الصينية من مقاطعة فوجيان، أو قبائل هاكا الصينية من مقاطعة غوانغدونغ، ويشكل أحفاد هاتين الفئتين إلى حد بعيد، أكبر المجموعات الديموغرافية في الجزيرة.

وفي عام 1895، انتصرت اليابان في الحرب الصينية - اليابانية الأولى، وتنازلت حكومة تشينغ مضطرة عن تايوان لليابان.

وعقب الحرب العالمية الثانية، تنازلت اليابان عن الأراضي التي سيطرت عليها الصين، وبدأت جمهورية الصين، باعتبارها أحد المنتصرين في الحرب، في حكم تايوان بموافقة حلفائها، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وفي السنوات التي تلت الحرب اندلعت حرب أهلية في الصين، وهزمت قوات ماو تسي تونغ الشيوعية قوات الزعيم آنذاك تشيانغ كاي شيك. ومنذ القرن السابع عشر، بدأت أعداد كبيرة من المهاجرين في الوصول من الصين، هربا من الاضطرابات أو ظروف المعيشة القاسية.

هرب تشيانغ وبقايا حكومة ما يعرف بـ(الكومينتانغ) إلى تايوان في عام 1949 وجعلوها مقرا للحكومة، بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية. وقد قال كلا الجانبين إنهما يمثلان الصين كلها. وسيطرت هذه المجموعة التي يبلغ عددها 1.5 مليون شخص، على السياسة التايوانية لسنوات عديدة.

واجه تشيانغ تشينغ كو، نجل القائد تشيانغ، مقاومة من السكان المحليين، بسبب حكمه الاستبدادي، وبدأ بالسماح لعملية التحول الديمقراطي تحت ضغط من حركة ديمقراطية متنامية. وانتخب تشن شوي بيان، أول رئيس من خارج حزب الكومينتانغ في الجزيرة عام 2000. وفي عام 1991، أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي.

وفي عام 2000 عندما انتخبت تايوان تشين شوي بيان رئيسا، ما آثار قلق بكين، حيث أن  تشين قد أيد صراحة "الاستقلال".

وبعد عام من إعادة انتخاب تشين في عام 2004، أصدرت الصين ما يسمى بقانون مناهضة الانفصال، والذي ينص على حق الصين في استخدام "الوسائل غير السلمية" ضد تايوان إذا حاولت "الانفصال" عن الصين.

وفي عام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنغ ون، والتي تقود الحزب الديمقراطي التقدمي (DPP)، الذي يطالب بالاستقلال الرسمي النهائي عن الصين.

طوال عام 2018 ، صعّدت الصين من ضغوطها على الشركات الدولية، وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من الصين على مواقعها على الإنترنت، وهددت بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الصين إذا لم تمتثل.

على الجانب الأخر، كثفت الولايات المتحدة تواصلها مع تايوان وطمأنت تايبيه على دعمها المستمر. وفي سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2021، أرسلت واشنطن مسؤولا رفيع المستوى في وزارة الخارجية إلى الجزيرة في أول زيارة رسمية من نوعها منذ عقود. الأمر الذي أثار غضب بكين.

وإلى الأن لم تصبغ أمريكا موقفها الرسمي من الأزمة الصينية التايوانية، حيث تتبع واشنطن سياسة "الغموض الاستراتيجي"؛ إذ ترك قانون العلاقات مع تايوان موضوع الدفاع عنها غامضا، ولم يتحدث إلا عن توفير "موارد وخدمات دفاعية"فقط.

وخلال السنوات الماضية، باعت الولايات المتحدة لتايوان أسلحة متقدمة، وتساعد في تدريب جنودها، ولكن على مدى 42 عاما، تبنت الإدارات الأميركية المتعاقبة مبدأ "الغموض الإستراتيجي".

وفي أكتوبر/ تشرين أول، أعلنت رئيسة تايوان تساي إنغ ون -في حديث لها مع "سي إن إن"- لأول مرة وجود قوات أميركية على الأراضي التايوانية، وذلك في سياق أن التهديد القادم من الصين يتزايد كل يوم.

وتعتبرإنغ ون أول مسؤولة تايوانية في هذا المنصب الرفيع تعترف بوجود قوات أميركية في بلادها. ولم تتحدث عن أعداد هذه القوات، وأشارت إلى أنها موجودة لأغراض التدريب.

وكان هناك تواجد عسكري أمريكي في تايوان لسنوات طويلة حتى غادرت آخر حامية أميركية رسمية الجزيرة عام 1979.

من جانبها أشارت يون صن، خبيرة شؤون شرق آسيا والمحيط الهادي بمعهد ستيمبسون في تصريحات صحفية ، إلى أنه لا يوجد جديد بخصوص الإعلان عن وجود عسكريين أميركيين على الأراضي التايوانية، وأقرت أن "الجميع يعلم بوجود قوات أميركية في تايوان منذ سنوات حتى بعد إنهاء معاهدة الدفاع المشترك بين الطرفين، والجانب الصيني يعرف دائما ذلك، وما جرى ليس جديدا".

وأضافت الخبيرة أن هذا الإعلان يعد "رسالة ردع مفادها أن أي هجمات صينية ستضر بشكل مباشر بالعسكريين الأميركيين في تايوان، مما يصعد من عواقب الهجمات بشكل كبير لأنه لن يضر فقط التايوانيين، ولكن أيضا بالأمريكيين".

في مارس/آذار الماضي، قال الأدميرال فل ديفيدسون، الذي يرأس قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادي، للكونغرس إنه قلق من هجوم الصين على تايوان بحلول عام 2027.

وتابع: ستكون الحرب كارثة، ليس فقط بسبب إراقة الدماء في تايوان وخطر التصعيد بين قوتين نوويتين، بل لتبعات ذلك على الاقتصاد العالمي.

وتعد تايوان آخر ساحة للتنافس بين الصين وأميركا، ورغم أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بموجب معاهدة للدفاع عن تايوان، فإن الهجوم الصيني سيكون اختبارا للقوة العسكرية الأميركية وهيمنتها الدبلوماسية والسياسية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 10