السودان و"إسرائيل".. بين الابتزاز والرفض الشعبي

إعداد - رؤى خضور

2021.04.12 - 04:27
Facebook Share
طباعة

 "لا مصالحة ولا تعايش ولا مفاوضات مع إسرائيل"، كانت تلك هي "اللاءات الثلاثة" الشهيرة في قمة الخرطوم في آب/أغسطس 1967 التي عقدتها جامعة الدول العربية، وإعلاناً ثورياً لرفض قبول العنف الإسرائيلي والتوسع والفصل العنصري في أعقاب حرب حزيران/يونيو 1967، التي أطلقها الكيان الصهيوني على الدول العربية المجاورة والفلسطينيين، على عكس هذا العصر المؤسف لتطبيع الأنظمة العربية مع الصهاينة.


يشير شفيق الحوت في مذكراته السياسية (حياتي في منظمة التحرير الفلسطينية) إلى أن التحفظ الأكثر أهمية الذي كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد تمسكت به بشكل صحيح حول "اللاءات الثلاثة" في ذلك الوقت هو صياغة الإعلان، الذي أصر على تحرير "الأراضي العربية المحتلة حديثاً"، وبحسب الحوت "كان هذا أول مؤشر عربي رسمي على اعتراف غير مباشر وضمني بوجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948".


فالشعب السوداني يرفض بشدة قبول الوجود الأجنبي لدولة الفصل العنصري الاستيطاني في قلب العالم العربي، وهو ما أظهرته الأنباء الواردة من السودان هذا الأسبوع بعد إعلان الحكومة السودانية الانتقالية أنها ستلغي قانوناً استمر ستة عقود يمنع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع "إسرائيل".

يأتي ذلك في إطار موجة التوجه نحو التطبيع التي قامت بها الأنظمة العربية العام الماضي في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.


في الإشراف على هذه الحلقة الأخيرة من تاريخ التطبيع العربي مع إسرائيل، تبذل إدارة جو بايدن قصارى جهدها لمواصلة سياستها المتمثلة في الاتساق التام مع السياسات الخارجية لإدارة ترامب، ومتابعة إملاءات "الإمبراطورية" الأمريكية على الحكام العرب، فقبل يوم من إعلان الإدارة الانتقالية في السودان إلغاء قانون المقاطعة، تحدث وزير الخارجية الأمريكية، أنطوني بلينكين، إلى رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك عبر الهاتف، ويبدو أن النظام الأمريكي استخدم التهديدات ضد السودان ضمنياً أو صراحةً قبل أن تخرج الحكومة السودانية في اليوم التالي بهذا الإعلان.


وافقت الحكومة الانتقالية السودانية لأول مرة من حيث المبدأ على إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني في تشرين الأول/أكتوبر، وفي ذلك الوقت، أعلنت إدارة ترامب أنها ستزيل السودان من قائمتها الرسمية للدول الراعية للإرهاب مقابل 335 مليون دولار كتعويض مفترض لضحايا الولايات المتحدة لهجمات القاعدة، كما كان الاعتراف بإسرائيل شرطاً آخر للشطب من هذه القائمة، التي ليست سوى قائمة منافقة تماماً بالنظر إلى الأسلوب المرن المتمثل في إزالة الجماعات الإرهابية الحقيقية منها متى شاءت لتلائم الإملاءات المتغيرة للسياسة الإمبريالية الأمريكية، في حين يمكن لقائمة "الإرهاب" هذه أن يكون لها عواقب سيئة على الدول المصنفة كأعداء رسميين للولايات المتحدة، وما يسمى في حالة السودان اليوم مع الإدارة الأمريكية هو ابتزاز قانوني.


ومما لا شك فيه أن قرار التطبيع في السودان ليس له شرعية انتخابية ولا يحظى بشعبية، إذ يشير أحدث استطلاع للرأي العام السوداني إلى أن 86٪ من السكان يرفضون التطبيع مع إسرائيل، وتتحدث أحزاب المعارضة في السودان علانية عن معارضتها للاتفاق، كما نددت قوى التوافق الوطني في تشرين الأول/أكتوبر باتفاق التطبيع قائلة "إن السلطة الانتقالية تعمدت انتهاك الوثيقة الدستورية وتتخذ خطوات نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، مخالفة لمبادئ والتزامات اللاءات الثلاثة للسودان"، لذا لا ينبغي الاستهانة بالشعب السوداني حين يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني الصهيوني، والذي احتشد ضد توقيع بلاده مؤخراً على اتفاق التطبيع خارج مكاتب مجلس الوزراء في العاصمة الخرطوم في 17 كانون الثاني/يناير 2021، مطلقاً صرخته عل صداها يؤثر في وعي الشعوب المستكينة للتطبيع كحقيقة مفروضة لا يمكن تغييرها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6