دمشق تتجه لتعاون استراتيجي تاريخي مع واشنطن
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع المرتقبة إلى واشنطن تحمل أبعاداً استراتيجية واضحة، إذ تعكس رغبة دمشق في بناء شراكة قوية مع الولايات المتحدة، مع الحفاظ على مسافة متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية هذه الخطوة ليست مجرد لقاء دبلوماسي، بل تأتي ضمن سياق إعادة تموضع سوريا بعد سنوات من العزلة والنزاع الداخلي والإقليمي، وتسعى لاستثمار فرص الضغط الدولي على الأطراف المحلية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية.
من الناحية الداخلية، تعطي الشراكة مع واشنطن دمشق نفوذاً إضافياً في المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية، والتي كانت تتمتع بقدرة تفاوضية كبيرة بفضل دعم الولايات المتحدة دخول الحكومة السورية ضمن التحالف الدولي ضد «داعش» يضعها في موقع الشريك الرسمي، ما يسرع مسارات الاندماج مع «قسد» ويفتح المجال لتقليص نفوذ القوى غير الحكومية في شمال وشرق سوريا، وهو ما يعزز سلطة الدولة ويفتح أفقاً لإعادة بناء مؤسساتها.
إقليمياً، الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تمنح دمشق هامشاً واسعاً في التعامل مع إسرائيل، خصوصاً في ملف الحدود الجنوبية واتفاقية 1974 فالوجود الأميركي على الطاولة يعزز قدرة سوريا على فرض موقف متوازن يحمي مصالحها دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة، ويجعلها طرفاً فعالاً في ضبط التوازن الأمني في المنطقة، مع إبراز دورها كحليف لمكافحة الإرهاب ومؤمن لاستقرار المصالح المشتركة بين دول الشرق الأوسط والغرب.
أما على المستوى الدولي، فإن التحالف مع واشنطن قد يحسن صورة دمشق ويخفف عزلة البلاد، ويسمح لها بالاستفادة من الدعم الاقتصادي والسياسي، لا سيما في رفع العقوبات وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية كما أن هذا التحرك يشير إلى قدرة الحكومة السورية على المناورة بين المحاور الدولية المختلفة، والابتعاد عن الاستقطاب التقليدي الذي كان يضعها في مواجهة الغرب، وتحويل هذه العلاقات إلى أدوات ضغط دبلوماسي واستراتيجي لمصلحة الدولة.
باختصار، زيارة الشرع إلى واشنطن ليست مجرد حدث رمزي، بل تحرك محسوب يعكس إعادة تعريف الدور السوري داخلياً وإقليمياً ودولياً، ويضع دمشق في موقع قوة يمكنها من تحقيق مصالحها الأمنية والسياسية، بينما توازن بين التزاماتها الإقليمية والدولية، مع تأكيدها على سيادة القانون وتعزيز السلم الأهلي.
