بعجز قدر بــ 17% ما يساوي تقريبا 7 تريليون ليرة، أقرت الحكومة اللبنانية، الخميس الماضي، مشروع موازنة عام 2022. وجاءت خالية من أي نفقات استثمارية أو أي مواد لتعزيز لشبكات الأمان الاجتماعي، أو معالجة جذرية لأزمة لتعددية سعر الصرف التي تعتبر العقبة الأساس للخروج من الأزمة النقدية.
وقال الخبير الاقتصادي والمصرفي علي نور الدين، إن الموازنة أتت في ظل غياب إستراتيجية لإصلاح الانهيار الاقتصادي الذي دخل عامه الثالث، واقتصرت فقط على عمليات محاسبية تتضمن الواردات والنفقات، إضافة إلى طبعها الانكماشي لأبعد الحدود من ناحية غياب النفقات الاستثمارية وتصحيح للرواتب والأجور، التي تعتبر أساسية كي يتمكن المواطن من تقبل زيادة الأسعار التي ستطرأ نتيجة إقرار الدولار الجمركي بنسبة 3 بالمئة إلى 10 بالمئة، وغيرها من زيادة في الضرائب والرسوم.
وأوضح نور الدين في تصريحات صحفية: "بالإضافة إلى ذلك هنالك أيضا تعددية سعر الصرف، التي تأتي في وقت يعتبر فيه توحيد سعر الصرف أمرا ضروريا لإقرار أي خطة تعاف".
ولفت الخبير إلى التداعيات الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي ستطال المواطن بشكل مباشر، نتيجة حزمة الضرائب والرسوم التي ستقر من دون أي دراسة علمية واقتصادية صحيحة، وهو الأمر الذي أنكرته الحكومة.
واعتبر الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية مارون خاطر أن الموازنة "أقرت فارغة المضمون والإصلاحات والرؤية، على عكس ما سوقت لها الحكومة بأنها بصيغتها الحالية تلبي شروط صندوق النقد"ز وأوضح أن الحكومة "أقرت مشروع الموازنة دون أي إصلاحات حقيقية يساهم في النهوض بالاقتصاد فالكهرباء مشروع مؤجل والقطاع العام ينتظر المساعدات بدلا عن إعادة الهيكلة".
وختم قائلا إن "مشروع الموازنة جزء من مسلسل تمرير الوقت الذي تنفذه السلطة، ولا يمانع صندوق النقد اعتماده بانتظار القادم من المفاوضات والانتخابات".
في المقابل،عرض صندوق النقد الدولي خارطة طريق لخروج لبنان من أزمته المالية تضمنت إصلاحات في الموازنة لضمان استمرار تسديد الديون وإعادة بناء القطاع المالي وإصلاح الشركات العامة ومكافحة الفساد.
وقال راميريس ريغو الذي قاد بعثة للصندوق أجرت مفاوضات من بعد مع لبنان، من 24 كانون الثاني/يناير إلى 11 شباط/فبراير إن "طبيعة الأزمة اللبنانية المعقدة وغير المسبوقة تتطلب برنامجا شاملا للإصلاحات الاقتصادية والمالية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ومواجهة الصعوبات المتجذرة وإرساء أسس نمو مستدام".
وشدد صندوق النقد الدولي مجددا على أنه لن يقدم أي دعم مالي طالما لم توافق الحكومة اللبنانية على مباشرة إصلاحات طموحة ضرورية لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية الغارق فيها. وتخلف لبنان عن تسديد مستحقات دينه الخارجي في 2020 للمرة الأولى في تاريخه.
وأضاف ريغو "خلال المهمة، سجل تقدم على صعيد تحديد مجالات الإصلاحات الضرورية ولكن يبقى بذل المزيد من أجل ترجمة ذلك في سياسات ملموسة". وأكد صندوق النقد الدولي أن "التعاون مع السلطات سيتواصل خلال الأسابيع المقبلة".
ويوصي الصندوق ومقره في واشنطن، الحكومة اللبنانية بالتحرك حتى قبل إقرار خطط الإصلاح. مشددا على أن "التحرك النشط ضروري قبل ذلك لتصحيح مسار الاقتصاد وإعادة الثقة".
وفي ما يتعلق بالإصلاحات، دعا الصندوق على صعيد المؤسسات العامة إلى التركيز على "قطاع الطاقة بغية توفير خدمات أفضل من دون استنفاد موارد" الدولة.
أما على الصعيد المالي، فأشار الصندوق إلى أن "حجم الخسائر غير المسبوق في القطاع المالي يجب أن يعالج بطريقة شفافة (...) مع حماية صغار المودعين كما سبق للسلطات أن طرحت".
ورأى الصندوق أن موازنة العام 2022 "توفر فرصة للبدء بتصحيح وضع الميزانية الكارثي مع أخذ قيود التمويل بالاعتبار".
وحث ريغو "على تحرك حاسم (..) لمواجهة مشكلة الفساد المتجذرة وتعزيز الشفافية خصوصا عبر إطلاق هيئة الشراء العام ورفع السرية المصرفية أو تعديلها تماشيا مع أفضل الممارسات الدولية".
ويشهد لبنان منذ عام 2019 انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي. ويترافق ذلك مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان.