الانهيار المالي في لبنان: الإصلاحات ليست لغزاً تعجيزياً

إعداد -رؤى خضور

2021.03.20 - 03:42
Facebook Share
طباعة

 يواصل صناع القرار  في لبنان، انتهاك المبادئ الأساسية للاقتصاد في تعاملهم مع الانهيار المالي، فالسياسات المالية الخاطئة وتضخم العملة يوماً بعد يوم تلقي بتداعيات اجتماعية واقتصادية مدمرة ستواجه البلاد لأعوام، إن لم يكن لعقود، قادمة.


إذ ساهم ربط العملة في استنزاف احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية لسنوات، حيث كانت خطة الحكومة في ذلك الوقت تهدف إلى تعديل سعر الصرف ثم خفض قيمته من 1507 إلى 4300 ليرة لبنانية مقابل دولار أمريكي في العام 2024، كما اقترحت طريقة للمضي قدماً لإعادة هيكلة كل من الدين والنظام المالي، وتنفيذ تعزيز الإيرادات، وإصلاحات هيكلية لخفض الإنفاق، وتوزيع عشرات المليارات من الدولارات على شكل خسائر نظامية.


لكن شيئاً لم يتغير بعد ذلك، فقد أدت الضغوط البرلمانية والمصرفية إلى إفشال أية محاولات جادة لحل الأزمة بشكل بناء، ومنذ التخلف عن السداد، استمرت سياسة النعامة وغرز الرأس في الرمال مع الأمل بزوال الخطر، حتى بات المواطنون اليوم يدفعون ثمناً باهظاً لهذا التقاعس الإجرامي، ليصبح الوضع في لبنان مأساوياً مع تراجع الليرة إلى أدنى مستوياتها، وفقدان ما يقرب من 90٪ من قيمتها، بل إن المعدل الحالي يتجاوز هدف 2024 الذي حددته الحكومة بأكثر من ثلاثة أضعاف، ويبدو أن السقوط المدوي لليرة اللبنانية ليس له نهاية في الأفق. 


لا شك أن تضاعف عرض العملة أكثر من أربعة أضعاف منذ بدء الأزمة في صيف 2019 عندما قام مصرف لبنان المركزي بإغراق السوق بالسيولة، أدى إلى فقدان العملة قيمتها بشكل متزايد، فتضاعفت أسعار المواد الغذائية خمسة أضعاف، في حين تعارك محلات السوبر ماركت ومحطات الوقود للحصول على المواد الأساسية النادرة، وتُغلَق الشركات المحلية لعدم القدرة على مواكبة الارتفاع الهائل في تكاليف الواردات وتسعير المنتجات والخدمات بدقة، فيما يلوح انقطاع التيار الكهربائي في البلاد في ضوء عجز الدولة عن تأمين الأموال اللازمة لاستيراد الوقود والطاقة للشبكات الكهربائية، ليجد الآن أكثر من نصف السكان أنفسهم تحت خط الفقر مع ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور، وربما الأهم من أي مما سبق، أن رأس المال البشري للبنان المتمثل بشبابه وأطبائه وممرضاته ومهندسيه وقضاته يفرون من البلاد بشكل لم يسبق له مثيل. 


أما الآن، وبينما تغرق السفينة ويصبح طريق التعافي أطول وأكثر إيلاماً، تحتاج الحكومة لبنانية إجراء سلسلة من الإصلاحات العاجلة على الفور وبشكل حاسم، والإصلاحات المطلوبة ليست لغزاً تعجيزياً طالما أن الهدف واضح في إنقاذ بقايا اقتصاد لبنان، ويمكن أن تبدأ من البنك المركزي باعتباره مذنباً في التدهور الحاصل، ويجب أن يكون الكشف والتدقيق الحقيقي على حساباته وأنشطته أولوية، وهو أمر تتغافل عنه الحكومة اللبنانية حتى الآن. 


في حين تتمثل الأولوية الفورية الثانية في إصلاح نظام الدعم في البلاد لحماية احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية قدر الإمكان. لقد كلف الدعم لبنان أكثر من 10٪ من ناتجه المحلي الإجمالي، ومن غير المعروف مستويات الاحتياطي الحالية لمصرف لبنان، لكن يبدو أنه لم يبق سوى 16 مليار دولار من العملات الأجنبية، ونظراً لنسب الاحتياطي المطلوبة، فإن 1.5 مليار دولار فقط يمكن استخدامها حالياً لمواصلة دعم الوقود والأدوية والمواد الغذائية الأساسية، أي أنه بالمعدل الحالي سيستمر الدعم فقط حتى أيار/مايو أو حزيران/يونيو، وبالتالي يجب تخفيضه بحذر. 


بالتوازي مع ذلك، يعد ضمان وجود شبكات أمان اجتماعي قوية مثل التحويلات النقدية أمراً بالغ الأهمية لحماية الفئات الضعيفة في البلاد، لذا تقديم الشركاء الدوليين المساعدة بالدولار الأمريكي بدلاً من صرفها بالليرة اللبنانية بسعر أقل من سعر السوق الذي يحدده البنك المركزي أمراً جيداً.


علاوة على ذلك، يجب أن تبدأ على الفور عملية إعادة هيكلة جادة وشاملة للقطاع المصرفي بقيادة حكومة مستقلة وقادرة مع وكالة حقيقية، عندها فقط يمكن توزيع الخسائر بشكل عادل وهادف، دون أن ننسى اجتثاث الفساد من النظام لاستعادة الثقة تدريجياً، فإصلاح النظام المالي وتطهيره ضروري لأخذ أي محاولة إصلاح على محمل الجد.

حتى ذلك الحين، سيثبت الانهيار المالي اللبناني أنه أحد أكبر حلقات السرقة وتحويل الثروة المنظمة والأكثر تدميراً في التاريخ، في حين يتمزق النسيج الاجتماعي ويدرك المواطنون يوماً بعد يوم أن الحياة لن تكون كما كانت، بل ربما تكون أكثر سوءاً، لكن أكثر ما يبعث على الغضب والإحباط هو أن هذا الانهيار من صنع الذات، حتى بات وعي الشعب اللبناني بهذه الحقيقة يزداد غضبه منها، ومن يدري لعل هذا الوعي والغضب يتجسد كفعل ملموس لينهي معاناة شعب يتجرع العلقم قوتاً.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 5