الاختراق التركي في لبنان, تحقيق شامل وآراء لسياسيين من السُنة

اعداد لبنى دالاتي- طرابلس - وكالة انباء اسيا

2020.07.13 - 11:59
Facebook Share
طباعة

 

تصاعد الحديث عن دور تركيا التخريبي في لبنان إثر إعلان وزير الداخلية اللبناني عن تورط المخابرات التركية في أحداث بيروت وطرابلس في السادس من حزيران/ يونيو الماضي.

حول هذا الأمر يقول المحلل السياسي والأستاذ في الجامعة اللبنانية وجامعة الجنان في طرابلس مازن شندب، إنه "إذا حصل أي تدخل من الجانب التركي فسيكون على الساحة السنية في طرابلس وبيروت، وهذا الأمر سيكون على حساب المصالح السعودية في لبنان، لأن تاريخ سنة لبنان لطالما كان مرتبطا بالمملكة، كما يوجد صراع كبير بين السعودية وتركيا، ومما لا شك فيه أن الأراضي اللبنانية هي ساحة وأداة مستغلة من قبل الطرفين لصراعاتهما".

ويضيف شندب "ممكن أن تكون تركيا تضع لبنان كورقة، بمعنى أن تتدخل في المناطق اللبنانية والسنية منها بالتحديد لأن تركيا هي دولة سنية، كما أن ظهور" بهاء الحريري" الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الأتراك إضافة إلى أن تركيا لعبت دورا مع النازحين السوريين في لبنان بشكل " لوبي" ليصبحوا قوة ضغط في المعادلة اللبنانية".

ويتابع "ولكن يبقى السؤال الأهم، الى أي حد تستطيع الدولة التركية أن تشكل حالة ووزن حقيقي على الساحة السنية في لبنان ؟ وهل لتركيا برنامج واضح ودعم لسنة لبنان بشكل خاص؟ وهل ستراجع المملكة العربية السعودية حساباتها تجاه لبنان لإعادة تفعيل دورها وعلاقاتها معه؟" .

وأضاف شندب "ثمة من يقول أن عوامل كثيرة مؤثرة في نجاح خطط السياسات التركية في لبنان، فإظهار صورة "بهاء الدين الحريري" كانت، ربما لإطلاق المشروع، ولكن عارضته قوى لبنانية كثيرة، معادية للسياسة التركية".

من جهته يقدم الأستاذ نبيل الحلبي، المقرب من الشيخ بهاء الدين الحريري، رأيا مخالفا حول إمكانية تدخل أنقرة في الداخل اللبناني وعن موقفهم من الأحداث التي اندلعت مؤخرا، ويقول لـ "وكالة أنباء آسيا إن "هذا كله تهويل على طرابلس، وما هو إلا فوضى سببها الأول والرئيسي فشل الحكومة الحالية المرؤوسة من الدكتور حسان دياب، ووزارة الداخلية التي تسعى جاهدة ومنذ فترة للتهويل على الشعب وردعه عن النزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقه، هذا كلام واه، مبالغ به وليس أكثر من بروباغندا".

وتابع الحلبي" في لبنان يوجد جيش لبناني لا زال قادرا على حماية الأمن و فرض السيادة, على الأقل في بعض المناطق وفي طرابلس وأي فوضى قد تحصل في الشمال أو أي منطقة أخرى فتقع المسؤولية على الحكومة".

وعن رأيه في الحراك قال "هي ثورة مطلبية، لا عنفية، سلمية، وإن حالة قطع الطرقات وإحراق الدواليب هي أدوات تعبير سلمية، وأي عملية فوضوية أمنية تكون الحكومة مسؤولة عنها، الحكومة التي تمتلك أجهزة أمنية وجيش لبناني قادران على ضبط الوضع".

ويرى الحلبي أن" أي تدخل خارجي في لبنان هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، وعلاقاتنا جيدة مع كل الدول ولا مؤامرات مع الخارج".

وعن الظهور المفاجىء للشيخ بهاء الدين الحريري وعلاقته بالدولة التركية فيقول الحلبي "لا صلة لنا بتركيا، ولا حتى بأي دولة أخرى، ولا طموحات سياسية منصبية للشيخ بهاء في الوقت الحالي، فالظروف الحالية غير ملائمة لبحث أمور كهذه,،و هدف الشيخ بهاء التغيير، ودعم إرادة اللبنانيين، وإنقاذ الشعب من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، أما النظام السياسي الحالي فاشل جدا، ويجب تغييره والعبور إلى جمهورية ثالثة حتما".

وعن إمكانية إطلاق التغيير من طرابلس يقول "نحن نطالب الناس في كل المناطق للنزول إلى الشارع، ليس فقط أهل الشمال، لإسقاط المنظومة السياسية الفاشلة التي تقف خلف هذه الحكومة، وهنا لا يمكننا إلقاء اللوم على الحكومة الحالية وحدها التي لا يتجاوز عمرها بضعة أشهر وكان الهدف منها إلصاق الفشل، ومحاصصة المال العام، والانهيار، وعندما تقرر المنظومة السياسية في لبنان التي تتحكم بالإدارات والمؤسسات أن ترحل، فهي لن تبقى".

ويختم قائلا "حزب الله هو من أتى بالحكومة الحالية."

عقارب الساعة إلى الوراء

في 2020/6/10 استضاف الإعلامي نيشان ديرهاروتيونيان الوزير السابق "وئام وهاب" في برنامج "أنا هيك" الذي بثه تلفزيون الجديد، وخلال هذا البرنامج، أهان كلاهما رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان، والشعب التركي، هذا الحدث دفع بعشرات المحتجين تحت عنوان "العثمانيون الجدد" للاعتصام أمام مبنى قناة "الجديد" احتجاجاً على التعرض للدولة العثمانية وشخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رافعين الأعلام التركية ومطالبين بالاعتذار.

ردة الفعل هذه دفعت بالعديد من المراقبين للتطورات المحلية المتعلقة بأي موضوع يخص الدولة التركية إلى الحديث عن مخططات ونوايا خفية ربما قد تبدأ بالظهور من شمال لبنان، مضيفين أن أنقرة تستفيد من حالة الفراغ على أمل تحويل لبنان إلى ساحة اقتتال لتمدد نفوذها إلى الساحة اللبنانية وقد أوعزت إلى الوكالة التركية للتعاون وتنسيق مهمة الإشراف على توزيع المساعدات من خلال مكاتب لها في طرابلس وعكار والبقاع وصيدا مستفيدة من وجود لبنانيين من أصول تركمانية.

كما يؤكدون أن ما جرى في طرابلس من منع شاحنات تابعة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، التي تستخدم لبنان للعبور إلى سورية بسبب الأوضاع المأساوية هناك، يشكل دليلا على قرار سياسي صادر من خارج الحدود اللبنانية.

في العمق

واذا نظرنا بالعمق وبالتفصيل لوجدنا أن التدخل التركي لا يزال محصوراً بتقديم المساعدات الغذائية، والطبية، وإنشاء مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية، والترويج للثقافة التركية وتقديم منح دراسية مع إعطاء الطلاب تسهيلات للدراسة في المراكز الواقعة بالشمال اللبناني، والتي تهدف إلى تعلم اللغة التركية.

الأستاذ "فادي الجمل" اختصاصي علوم سياسية واقتصادية يقول لـ "وكالة أنباء آسيا" إنه "على صعيد الخوف من الفوضى فهذا أمر وارد جدا واحتمالاته كبيرة في ظل الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، ونأمل ألا تستمر لوقت طويل، أما بالنسبة لتركيا فهي تبحث عن دور ليكون لها موطئ قدم في لبنان، في ظل دورها المتنامي من سوريا إلى العراق وليبيا، ولكن بالنسبة لما يشاع فهو أمر مبالغ به بعض الشيء" وأضاف " لا أظن أن لتركيا دور على أرضنا في الوقت القريب".

وختم حديثه قائلا " المهم أننا مقبلون على أشهر صعبة جدا، ولكن بالنهاية فهناك تسوية ما يجري العمل عليها وربما تنعكس إيجابا على الوضع في لبنان".

في ظل هذه التجاذبات، نسمع البعض يقول إن أنقرة تتدخل في الملف اللبناني من بوابة أزماته الاقتصادية والمالية التي أرخت ثقلها القوي على مختلف فئات الشعب اللبناني ومنها "تيار المستقبل"، وهي تحاول استغلاله وامتصاص التوتر الشعبي لصرفه في سياساتها الإقليمية.

وحول ذلك يقول النائب في البرلمان اللبناني علي درويش" نحن، كتلة الرئيس نجيب ميقاتي، كنا منذ البداية مع الثورة ومع التحركات السلمية المطالبة بالحقوق المعيشية التي تعبر عن وجع الناس، وألمهم، والجدير ذكره عن مدينة طرابلس أنها تشكو من جوع، فقر وعوز منذ سنوات طوال إضافة إلى تراجع شديد في الخدمات : التأمين الصحي، الطرقات، فرص العمل، مع تفريغ للمدينة من قدراتها للنهوض، وصولا للاحتياجات الغذائية اليومية التي باتت تهدد حياة الانسان.

وتابع "أما الأعمال التخريبية والتكسير، والاعتداء على الناس، والتعدي على الأملاك العامة، وكل تلك الأحداث التي خرجت عن المسار الحقيقي، وحاولت تغيير الثورة وإعطاءها طابعا لا يمثلها، فهي أمور مرفوضة وأجهزة الدولة اللبنانية حتى الآن ما زالت قادرة على ضبط الوضع فالجيش اللبناني وعلى رأسه الأجهزة الأمنية، هو أكبر جهاز نعول عليه في الانضباط الداخلي، وحصلت عدة مشاكل أمنية في طرابلس أثبت من خلالها الجيش والأجهزة الأمنية قدرتهم على ضبط الوضع".

وعن رأيه باحتمالية خروج الأمور عن السيطرة قال درويش "أجهزة الدولة وحدها قادرة على الضرب بيد من حديد، ونحن نعتمد دوما سياسة النأي بالنفس عن الصراعات والمحاور، في لبنان هناك دول اقليمية تحاول أن تلعب دورا أكبر، ويجب أن نتمتع بالكثير من الحكمة، والذكاء كي لا نقع في فخ الصراعات، وبعيدا عن التحليلات الاقليمية وعما نراه في المنطقة، مصر، ليبيا، سوريا، والعراق فإذا كان لتركيا أو لأي دولة أخرى أي مطامع، وهنا أضع علامة استفهام كبيرة على هذا الافتراض، فنحن كلبنانيين يجب أن نسعى جميعنا لعدم فتح المجال لأي دولة للتدخل بالشؤون اللبنانية وعدم الانجرار للصراعات الداخلية كي لا يعيد التاريخ نفسه ويكرر أخطاء الماضي ".

أما عن رأيه بالحكومة الحالية، وعن مدى قدرتها على الاستمرار، قال "حكومة حسان دياب لها طابع ولون سياسي معين، ولها دورها في البرلمان ولها تغطيتها السياسية، وطالما هناك تغطية سياسية للحكومة الحالية ستستمر، و بغض النظر عن كل ردود الأفعال، وعندما تسحب منها التغطية ستسقط حتما في البرلمان، أو في الشارع وعندها يحصل التغيير على المستوى الحكومي.

من جهة أخرى قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، سماحة الشيخ ماهر حمود، لـ "وكالة أنباء آسيا إنه " أولا وبالبداية انا أتحدث باسمي ولا أدلي بأي تصريح بالنيابة عن الحزب، وهذه أفلام وترهات لا قيمة لها بتاتا".

وتابع "الأمور لا يمكن أن تكون كذلك لعدة أسباب: جغرافيا، سوريا تقع بين طرابلس وتركيا، وسياسيا، سيكون الأمر اختراقا للسيادة اللبنانية، لا الجمهور اللبناني ولا حتى الطرابلسي يوافق على الأمر، ونسبة المؤيدين للقيادات التركية في طرابلس لا تتعدى نسبة ال20%".

أما عن امكانية وجود مطامع لتركيا في الداخل السوري يقول الشيخ حمود "نعم، تركيا لها عدة مطامع في سوريا، فما هي حقيقة نواياها بدخولها في الحرب على الساحة السورية؟ هل هي تحاول مثلا إصلاح الوضع الانساني لتدخل إلى حلب وتصبح جزء رئيسي في المعركة؟ أما في لبنان فحتى لو كان لها أي مطامع في لبنان، فهل ستتمكن، وهل هي قادرة؟ حتى في المستقبل لن تتمكن تركيا من التدخل".

وحول إمكانية مساندة حزب الله للجيش في حال حصلت فوضى كبيرة في البلد، وأصبح الوضع الأمني متدهورا يقول"مساعدة الحزب للجيش لم ولن تتوقف يوما وهي مستمرة" وعن إمكانية مساعدة الجيش في الداخل اللبناني فهو لا يتوقع أن تصل الأمور إلى هذا الحد, "هنا المطلوب هو دعم لوجستي من الجيش وحده أما الحزب سيكون مساندا للدولة بالسياسة".

لكن من يمكن أن يكون وراء ترويج هذه الاشاعات؟، يجاوب الشيخ حمود "جهات إعلامية قد يكون لها مصلحة في ذلك لخلق ضجة، أو جهات سياسية لإثارة النعرات المذهبية، فطرح كهذا ينعكس سلبا على لبنان".

بعض المحللين يقولون إن أنقرة بدأت تدرك أهمية مدينة طرابلس، بالنسبة لمصالحها في المتوسط، وسمح لها تراجع النفوذ السعودي عليها وعلى سنّة لبنان عموما، خاصة بعد الجفاء مع الشيخ سعد الحريري لسد الفراغ وثمة شكل من أشكال النفوذ بدأ يخطط له منذ سنتين، ولكن اليوم يبدو في مرحلة الولادة على أرض الواقع.

الدكتور مصطفى علوش، النائب السابق في" تيار المستقبل" يعتبر ذلك "سيناريو خيالي" ويضيف "والحديث عن مؤامرة كهذه هو أمر غير واقعي بتاتا، ولكن اليوم وضع البلد في حال عدم استقرار أمني وهناك إمكانية كبيرة في أي لحظة لوقوع خضات أمنية، ولكن لا أرى أن تركيا هي الدولة الكبرى التي تستطيع التمدد من دون غطاء من قوة أخرى، فتدخلها في سوريا قد أتى بعد تغطية وتفاهم ناجم عن اتفاق أميركي-روسي، أما وصولها الى ليبيا فهو ناتج من قرار روسي".

ويضيف "واذا حصل مع الوقت اتفاق ما بين تركيا ودول أخرى، عندها، قد يصبح الأمر صحيحا"، وعن الظهور المفاجئ للشيخ بهاء الحريري يقول علوش " الشيخ بهاء الدين ينفي هذه العلاقة وتركيا بدورها تنفي ذلك، أما نحن فلا يعنينا الأمر بتاتا، والعلاقة بين الأخوين "حريري" علاقة بين شقيقين ولا دخل لنا بها، وبالنسبة لوضع الشيخ بهاء في السياسة فنحن لا نعلم من يكون سياسيا، هو شقيق الشيخ سعد".

وعن فرضية الفوضى في طرابلس أو لبنان واحتياج الجيش للمساعدة فهل من الممكن أن يتدخل حزب الله ويمد يد العون للمساعدة في بسط الأمن، يقول ""كلا، لا يستطيع، فهو اليوم مشغول بضبط أوضاعه، إذا حاول التدخل ستصدر أصوات تتهمه بأنه ينوي احتلال طرابلس وسيصبح هو العدو، و هي مجرد إشاعات وهي من أبسط وأسهل الأمور التي تحدث يوميا في البلد، وللأسف أي شخص تخطر فكرة في رأسه ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ولا تتعدى التخيلات ".

وعن الدعم التركي لطرابلس يجاوب علوش "لا شيء يذكر فالأمم المتحدة ساعدت أكثر، كذلك السعودية وقطر والامارات، فليست تركيا وحدها، والجدير ذكره هنا أن اقتصاد تركيا يعتبر محدودا وكذلك قدراتها، ولن ننكر الرابط التاريخي مع الأتراك : العادات، التقاليد، حتى إعجاب فئة من أهل طرابلس بالرئيس التركي "أردوغان "ولكن في النهاية إذا لم يكن هناك تفاهم مع دول أخرى كبرى لن تستطيع تركيا مد أوصالها إلى أي مكان".

الوزير السابق واللواء أشرف ريفي والذي اتهمه مقال صادر في مجلة محلية نهار الأحد 12 تموز 2020 ، بعلاقات مشبوهة مع تركي، أكد عبر "وكالة أنباء آسيا" أنه سيأخذ موقفا معينا ممن نشر هذه الأخبار الملفقة، وأن الرد سيكون "عنيفا" .

وفي النهاية من يقرأ المشهد اللبناني بطريقة استراتيجية بعيدة المدى، فهو بذلك يتقدّم بخطوة على كلّ ما يُحاك للبنان، خطوة يراها المراقبون يمكن أن تحمي لبنان و تسقط كلّ الأهداف السابقة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10