كيف غير محمد بن سلمان مملكة بني سعود؟؟ الحلقة الاولى

بحث لفريق وكالة انباء اسيا

2020.04.08 - 08:36
Facebook Share
طباعة

 توطئة:
برزت العديد من المتغيرات على الساحة الإقليمية المحيطة بالمملكة العربية السعودية وعلى الساحة العالمية, وأول تلك المتغيرات تراجع أسعار النفط، حيث بلغت عائدات وفوائض النفط أرقاما مكنت الدولة من المضي قدما في مختلف برامج الإنفاق دون تقليص في حصة المشروعات والبرامج، وقد حافظ ذلك على الثقة والتفاؤل الوطني، ثم تراجعت أسعار النفط إلى نقطة حرجة، وتراجعت عائداته بشدة, وفي إحصائية لإدارة معلومات الطاقة "بوزارة الطاقة الأمريكية"، تم تقدير دخل المملكة من تصدير النفط الخام عام 2015م بنحو130 مليار دولار، وكانت المملكة قد سجلت أعلى دخل لها في آخر عشر سنوات عام 2012م عندما بلغت قيمة مبيعاتها من النفط الخام 297 مليار دولار, وواصلت عوائد النفط الانخفاض في عام 2016م، فبلغت عائدات المملكة من صادراتها النفطية منذ بداية العام وحتى نهاية أغسطس 73.6 مليار دولار.
وبالنظر إلى أن الإيرادات النفطية تشكل 90% من إجمالي إيرادات المملكة السنوية، فقد برز تأثير ذلك المباشر على الميزانية السعودية أعوام 2015 و 2016 و 2017م.
ولم يكن غريبا في ضوء ذلك أن تشتمل ميزانية المملكة للأعوام الثلاثةعلى عجز كبير, فقد بلغ عجز الميزانية لعام 2015 حوالي 98 مليار دولار، حيث بلغ الإنفاق الحكومي260 مليار دولار، بينما قدرت العائدات بـ 168 مليارا.
ولذلك تخطط رؤية المملكة للعيش من دون النفط وتعزيز الاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق الحكومي ودعم القطاع الخاص.
ومن المتغيرات الجديدة الأزمات الإقليمية في إيران، اليمن، سوريا، قطر, إذ لا يمكن التعرف إلى السبب الأساسي في تراكم الأزمات الإقليمية حول المملكة دفعة واحدة.
إذاً ترافق التغيير في الحكم وقدوم الملك سلمان بصراعات عديدة محيطة بالمملكة, كما ويتخوف المسؤولون السعوديون من قيام الولايات المتحدة بتقليص التزاماتها تجاه شركائها التقليديين في الخليج لصالح التقارب مع إيران، بعدما تمكنت إدارة الرئيس باراك أوباما في نيسان/أبريل من التوصل إلى اتفاق أولي بشأن البرنامج النووي الإيراني, أذا التغيرات المحلية والإقليمية تنبآن بالخطر وتشيران إلى التدخل الفوري لإنقاذ المملكة وهذا ما كان يُعد مع محمد بن سلمان.
الانقلاب الناعم:
سبق الملك سلمان ملكان حكما لثلاثة عقود، هما الملك فهد والملك عبد الله، وبقي كل منهما في السلطة حتى انتهى بهما الحال إلى إدارة الحكم على كرسي متحرك، وكان من الضروري تمكين جيل الأحفاد, وحين تولى السلطة في مطلع العام 2015م كان الملك سلمان أمام مؤسسة وفريق قام بالعمل لمدة طويلة مع الملك عبد الله، وأخذ هذا الفريق في تمهيد عملية الانتقال والخلافة في ظل ترتيب معين، وبالنظر إلى دور الولاءات الشخصية والسياسية والموائمات المصلحية للمجموعات، فإن إزاحة هيكل موجود ومتغلغل كان يقتضي إزاحة كامل الفريق والجهاز، وهو ما حدث بشكل دراماتيكي بدءاً منذ اليوم الأول لتولي الملك سلمان العرش.
وبالنظر إلى استمرار بيت الحكم والأسرة لعقود دون تغييرات كبرى، فقد تراكمت إشكاليات هائلة وحصل جمود مؤسسي راكمَ أوضاعًا وامتيازات نظامية وغير نظامية، ونشأت طبقات مصلحية ورجال مال وأعمال, وتراكمت ثروات البعض منهم عبر الأنشطة غير الإنتاجية وأُتخمت من أموال الفساد والتهرب الضريبي وتجارة الأراضي الغير شرعية حيث ضاعت أملاك الشعب والدولة من خلال سيطرة النافذين على أراضي خصبة أو تجارية ودون ثمن، وأصبح المطلوب إحداث "زلزال اصطناعي" داخل الدولة برأي فريق الملك سلمان الذي قد نراه اليوم رجلا طاعنا في السن ولكن لا يجب أن ننسى أن يعرف خفايا الحكم كما لا يعرفه أحد فهو يتولى المسؤوليات السيادية منذ كان في العشرينات من عمره.

ومنذ ذلك بدأ التمهيد لتولي الملك محمد بن سلمان الحكم بسبب رغبة والده في ذلك لما رأى فيه من نبوغ وطموح مختلف عن أشقائه الأكبر منه سناً ، وأصبح المشهد السعودي باعثًا على الحيرة والغموض؛ وبدأ ذلك مع مجموعة من القرارات الداخلية العاصفة والتغييرات التي طالت كل أركان الدولة وثوابتها السياسية وقواعد الحكم فيها، وتحركات سياسية وعسكرية سريعة, وتحالفات إقليمية ودولية معقدة ومتشابكة, حيث قال عنها المراقبين والمحللين, مثل روبرت فيسك وديفيد هيريست وتوماس فريدمان "أنَّ حرب اليمن, والأزمات مع إيران وقطر وتركيا، ثم لبنان ما هي إلَّا اندفاعًا بقرارات ورغبة شخصية من الأمير الشاب، الذي تقلد وزارة الدفاع، لإثبات نفسه وتأكيد مكانته, وأنَّ القرارات السياسية التي اتخذت لتنظيم بيت الحكم والسلطة منذ مطلع 2015م، ما هي إلا اندفاعًا للتوريث، وتمكين الأمير الشاب من الصعود إلى سلم السلطة، بالإضافة إلى مجموعة من القرارات الداخلية المتعلقة بتعيين جيل الشباب في المناصب العامة، وإصدار رؤية 2030م، والتقليص شبه النهائي لدور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنشاء الهيئة الوطنية للترفيه، ومنح المرأة قيادة السيارة، والحرب ضد الفساد، ومشروع "نيوم"، والدعوات إلى إسلام وسطي معتدل.
إذاً تسيطر الطبيعة الشخصية للملك وولي العهد، والتي اتضحت في إدارة الحكم منذ اليوم الأول، وهي الاستعداد للإقدام على قرارات غير تقليدية، والإقبال على حرق المراحل، وإمكان فتح كل جبهات الصراع بمسار أفقي ورأسي وفي الداخل والخارج في الوقت ذاته, وفي الاتجاه نفسه أيضًا، يمكن اعتبار رؤية المملكة 2030 باعتبارها رؤية شخصية، وأنه وفقًا لتطبيق هذه الرؤية سيتوقف المستقبل الشخصي للأمير محمد بن سلمان مع العلم أن معلومات صحفية أميركية كشفت أن الخطة من وضع واحدة من شركات التخطيط الأميركية وليست نتاج جهد فكري ذاتي للأمير محمد بن سلمان وفريقه وهذا لا يعني أنهم لا يملكون قدرات التخطيط والتفكير لكنه الواقع الذي تحدث عنه الأميركيون في هذا السياق.

صحيح أن الترتيبات التي تجري ترافقت خطوة بخطوة مع تصعيد الأمير لمواقفه تجاه عدد من القضايا لكن الأكيد أن تمكنه من إصدار قرارت مشاكسة وخطيرة وقدرته على تنفيذها ليست ضربة حظ بل نتيجة تخطيط فريق والده منذ أمد طويل سبق توليه العرش حيث شبكة العلاقات الداخلية في الأسرة لا يمكن فصلها عن العلاقات السعودية الأميركية وذاك ظهر بشكل واضح في التدخل الأميركي بالشؤون الداخلية للمملكة حتى في التفاصيل من خلال تصريحات عديدة أبرزها ما قاله الرئيس الأميركي على تويتر ليلة إعتقال الامراء وزجهم في معتقل فندق الريتز بتهم الفساد إذ كان تأييد ترامب فاقعا لمحمد بن سلمان.

هذه الاجراءات ترافقت أيضًا –خطوة بخطوة- مع متابعة اميركية دقيقة للأوضاع الصعبة التي مرّبها محسوبون على الادارة الاميركية مثل الحليف الاول لها سابقا في العائلة الحاكمة محمد بن نايف، وتلك الإجراءات كان من المهم اتخاذها على وجه السرعة، وإلا تعرضت المملكة للمخاطر، ليس بعيدًا عنها خطر التجزئة أو التفكك، أو على الأقل الاضطراب في المجتمع وداخل الأسرة.
ففجأة، يخرج محمد بن نايف من المشهد السياسي في المملكة العربية السعودية، مغادراً مناصبه الثلاثة، كولي لعهد المملكة "أي الملك المقبل"، ووزير للداخلية، ونائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الحالية، ليحل محله الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، والنائب الثاني لرئيس الوزراء، ووزير الدفاع.
المشهد المفاجئ الذي طرح نفسه دفع كثيرين إلى محاولة تفسيره ووضع مجموعة مختلفة من السيناريوهات، بداية من تصور الأمر كـ"انقلاب ناعم"، إلى أن يخطو الخطوة الأخيرة قبل أن يصبح ملكاً، ليخرج بالمسؤول الأول عن "الداخلية والأمن"، ليكون الطريق إلى "السمو الملكي" خالياً, وبالتالي بدأت عملية التمهيد والتهيئة "للوصول إلى الحكم"..

التهيئة الشعبية للانقلاب الناعم:

بما أن الشعب جالس في بيته، فلن تشغله إلا "المصاريف"، وهي الخطوة الثانية التي أعلن عنها المسؤولون في المملكة، حيث نشروا قراراً ملكياً بصرف كافة البدلات والمتأخرات المالية.
كما أن الملك قد أصدر قراراته بإعادة جميع البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين —المشار إليها في قرار مجلس الوزراء رقم (551) بتاريخ 25/12/1437هـ، التي تم إلغاؤها أو تعديلها أو إيقافها- إلى ما كانت عليه، وبأثر رجعي أيضاً.
كما تم التمهيد لذلك بتغيير القرار الملكي, حيث أنَّ القانون القديم كان نصه "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء… ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم", وأصبح النص بعد التعديل: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء…ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس".
القانون بشكله الجديد على الرغم من أنه يسهل وصول ولي العهد الجديد محمد بن سلمان إلى السلطة، خاصة أن والده الملك سلمان قارب على الـ80 من العمر، إلا أنه يخلق أزمة كبيرة داخل أروقة الأسرة الحاكمة، ويطرح السؤال الأهم للمرحلة المقبلة: من هو ولي العهد القادم؟
التهيئة الاقتصادية للانقلاب الناعم:
رؤية السعودية 2030م هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية تم الإعلان عنها في 25 إبريل 2016م، وتتزامن مع التاريخ المحدد لإعلان الانتهاء من تسليم 80 مشروعا حكوميا عملاقا، تبلغ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال وتصل إلى 20 مليار ريال، كما في مشروع مترو الرياض, نظَّمَ الخُطَّة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان حيث عرضت على مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لاعتمادها, وفي 2 رمضان 1437 هـ- 7 يونيو 2016م وافق مجلس الوزراء السعودي على برنامج التحول الوطني أحد برامج "رؤية المملكة 2030م,.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 6