الأمن الغذائي في لبنان بين سندان "الأرز المسرطن" ومطرقة "القمح المتعفن"

2024.03.08 - 03:32
Facebook Share
طباعة

تتوغل الفوضى في مختلف القطاعات ومنها القطاع الغذائي في لبنان في ظل غياب الرقابة والمتابعة القانونية لشتى القطاعات المسؤولة عن أمن وسلامة غذاء المواطن.

فبعد فضيحة دخول 24 طنّاً من الأرزّ "المسرطن" الذي فُقد في مستودعات الشركة التجارية المستوردة، والسماح بإفراغ حمولة قمح "متعفّن" من الباخرة، وقرار توزيعها على السوق، تعود إلى الواجهة أزمة الأمن الغذائي في لبنان.

وفي الفضيحتين، تدور أسئلة كثيرة حول دور القضاء في التعاطي مع هذا الملفّ، سواء بترك المتهم أو بتوقيع قاضٍ يسمح بإدخال قمح متعفّن ومسوّس إلى الأسواق، رغم صدور نتائج مصلحة الأبحاث الزراعية التي تؤكّد جود تكتل وعفن في العيّنات.

 

أمّا المسألة الأخرى التي يجب الحديث عنها فتتمثل بالتعهّد الموقّع من صاحب الشركة بناءً على المادة 57 من قانون الجمارك، والتي تفرض عليه عدم التصرّف بالشحنة قبل إخضاعها لتحاليل مخبرية تجريها مصلحة الأبحاث الزراعية في وزارة الزراعة.

فمن يضمن تنفيذ هذا التعهد؟
علامات استفهام كثيرة تطرح منذ دخول هذه الشحنة إلى المرفأ وصولاً إلى عدم صدور أيّ قرار يطلب سحب ما بقي من هذه الشحنة في الأسواق بعد معلومات عن إخراج مديرة الشركة لقاء غرامة مالية قدرها 40 ألف دولار، بينما تُرك المخلّص الجمركي بكفالة سند إقامة.

أكّد وزير الزراعة عباس الحاج حسن اليوم في حديث صحفي له أنه "في ما يتعلق بشحنة القمح، رفضتها الوزارة بعدما أجرت الفحوص المخبرية اللازمة، وتبيّن أنها غير مطابقة للمواصفات. وأوضح أن الجهة المستوردة ذهبت الى القضاء الذي بدوره راسل هيئة القضايا".


وأشار الحاج حسن إلى أنه تواصل مع القاضية هيلانة اسكندر مؤكداً رفضه دخول الشحنة نتيجة الفحوص المخبرية وتقارير فريق الوزارة المختصّ، مشدداً في هذا الإطار على حرص الوزارة على سلامة أمن غذاء اللبنانيين تماماً كحرصها على الصادرات الزراعية اللبنانية التي تكون نتائجها مطابقة للمواصفات العالمية.


أمّا في ما يتعلق بشحنة الأرز التي دخلت الأسواق، فأكد الوزير أنه رفضها، وأن الموضوع الآن بات عند القضاء والضابطة العدلية. وبالتالي أصبحت المسألة عند وزارة الاقتصاد المخوّلة قانوناً مراقبة السلع في الأسواق المحلية.

وختم بالتحذير من خطورة هذا الأمر داعياً الى تشدّد كلّ المعنيين في الحفاظ على سلامة أمن غذاء اللبنانيين.


في المقابل، تطرح مصادر مطلعة أسئلة حول فضيحة الأرز "الذي توّزع منذ ٨ أشهر في الأسواق، وبيعت كمياته ولم يبق منها شيئاً، فكيف سمحت وزارة الزراعة بإخراج الشحنة من دون تلفها أو إرسالها الى بلد المنشأ، وكيف سمحت الجمارك باخراجها بتعهد من دون متابعتها؟". علماً أن شحنة القمح "المتعفن" ما زالت محجوزة ولم توزع بعد.

من جهته، طالب رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبد الله عبر في تصريح صحفي بتفعيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء التي صدر قانون إنشائها في مجلس النواب قبل 5 سنوات، فيما تخلّفت الحكومات المتعاقبة عن تعيين الهيئة المعنية بوضع نظامها ومباشرة عملها. ونتيجة عدم تفعيل الهيئة، تتولى وزارات الصحة والزراعة والاقتصاد والبلديات القيام بأداء المراقبة، إلّا أنّ ظروف عمل الموظفين والإضرابات تُعيق العمل الرقابي المنشود.


وأشار عبد الله بأن "الفساد يتوغل في ملف الغذاء بدءاً من الأسمدة وصولاً إلى نقاط بيع المنتج، نفتقر إلى الرقابة الجديّة، فضلاً عن أزمة الكهرباء وسوء التخزين. وما يُحكى عن الأرزّ والقمح يُطبّق على منتجات كثيرة تدخل إلى لبنان بطرق شرعية وغير شرعية وهي غير مطابقة للمواصفات، ولا نعرف عنها شيئاً".


وعن مدى أمله بمحاسبة الفاعلين، يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية أن الملف أصبح بعهدة القضاء ونتمنى أن يضرب بيد من حديد كلّ من تجرأ على تعريض صحة الناس للخطر. لذلك يجب أن يكون الحكم غير قابل للتسوية أو للضغوط والنفوذ والرشى. ويجب أن نعرف أن القضاء يعالج النتيجة فيما نحن بحاجة إلى خطوات استباقية لمعالجة هذه الأزمة، وعلى رأسها تفعيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء التي من المفترض أن تكون العين الساهرة في هذا الملف.
أما جمعية المستهلك فقد جاء على لسان رئيسها
زهير برو الذي قال في تصريح له بأن "ما يجري اليوم في مسألة القمح والأرزّ يعتبر استكمالاً لنهج الفساد المتبع في لبنان، وإلّا لم يكن أحد ليتجرأ على إدخال هذه الكمية الكبيرة إلى السوق. وللأسف أصبح لبنان في الدرك الأسفل من ناحية الرقابة في ظلّ تفكّك الدولة، ولم تكن حقوق المستهلكين يوماً في قائمة اهتمامات السلطة التنفيذية والتشريعية".

ويعترف برو بأن "ما تقوم به وزارتا الزراعة والاقتصاد بطاقتهما الحالية لا يتخطّى 5 في المئة وهي غير كافية، وبالتالي تتوجه جمعية المستهلك بتقديم دعوى شخصية في حقّ الشركات التي أدخلت هذه المنتجات، ونعرف تماماً أنّ هناك تواطؤاً أسهم في إدخالها إلى لبنان رغم المعاينة المباشرة عليها. وهذا يؤكد أن الفساد في لبنان هو شبكة متكاملة تعمل بفعالية في الفوضى والأزمات التي تضرب البلد".

ويأسف رئيس جمعية المستهلك للواقع القضائي، فكل الدعاوى المقدمة لم تصل إلى مكان وآخرها الشكوى في حق المصارف المقدّمة في شباط 2020 والتي بقيت في الأدراج، وهذا ما يدفعنا إلى طرح أسئلة كثيرة ولا سيّما أنّ القضاء هو شريك للسلطة التنفيذية والتشريعية وبالتالي لن يكون متحمّساً في العمل معنا كجمعية. وللأسف لم نرَ قراراً قضائيّاً يؤمّن مصلحة الناس، وكل ما لمسناه في السنوات الأخيرة هو سكوت وهروب إلى الأمام، بدءاً من ملفّ سرقة الودائع مروراً بانفجار مرفأ بيروت وصولاً إلى الفساد اليومي وتمرير صفقات التجار.

وفي خضم كل ما يجري يجد المواطن اللبناني المنهك من تبعات الوضع الاقتصادي والأمني المتردي في لبنان نفسه أمام استحقاق لا يقلّ خطورة عن الاستحقاقات التي تضع حياته وحياة أهله في دائرة الخطر. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 2