على امتداد الحدود الشمالية بين مدينة "عين العرب - كوباني"، بريف حلب وحتى مدينة "المالكية"، بأقصى الشمال الشرقي من سورية، يشتعل صراع مفترض بين القوات التركية والفصائل الكردية الموالية لمنظمة "حزب العمال الكردستاني"، الموضوعة على لائحة التنظيمات الإرهابية من قبل مجموعة من الدول من بينها سورية، لكن هذا الصراع لم يقطع العلاقات الاقتصادية بينهما، إذ تؤكد مصادر خاصة لـ "وكالة أنباء آسيا"، أن المعابر البرية الرابطة مدينتي "منبج"، التي تحتلها "قسد"، بريف حلب، ومدينة "جرابلس"، التي تحتلها تركيا في الريف ذاته لم تتوقف فيها العمليات التجارية خلال الأيام الماضية إلا لفترة 12 ساعة لتعود بذات الكثافة التي كانت عليها قبل أن تلعب تركيا على وتر الصراع الذي شهدته مناطق دير الزور بين العشائر العربية وقسد، لتحرك ما تسميه بـ "الجيش الوطني"، ضد قسد تحت مسمى "العشائر العربية في حلب.
ووفقا للمصادر ذاتها فإن الامر ذاته ينسحب على المعابر البرّية التي تربط مناطق سيطرة الطرفين في محافظتي الحسكة والرقة، وأكثر المواد التي يتم تهريبها هي النفط ومشتقاته والحبوب والأدوية، كما إن السيارات الأوروبية المستعملة يتم إدخالها إلى مناطق سيطرة قسد من إقليم شمال العراق "كردستان"، و الأراضي التركية، وعليه فإن العلاقات التجارية القائمة بين "قسد"، والفصائل الموالية للنظام التركي لم تنقطع، وتشير المعلومات إلى أنها توقفت بشكل جزئي في ثلاث مناسبات سابقة فقط، الأولى لمدة لم تزد عن شهرين خلال المعارك التي افضت لانسحاب الوحدات الكردية من مدينة عفرين بريف حلب خلال آذار من العام 2018، والثانية خلال المعارك التي عرفت باسم "نبع السلام"، والتي أدت لخروج "قسد"، من تل أبيض و رأس العين في تشرين الأول من العام 2019، والثالثة خلال فترات انتشار جائحة كورونا خلال العام 2020.
تشير التقديرات إلى أن 50 بالمئة من تجارة قسد بـ "الأدوية - المواد الغذائية - السيارات"، مصدرها من الأراضي التركية، كما إن تهريب النفط ومشتقاته نحو المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام التركي والفصائل الموالية له، إضافة إلى إدلب بما تعنيه من وجود تنظيم "جبهة النصرة"، المصنف إرهابياً، تشكل ما نسبته 40 بالمئة من تجارة النفط التي تمول "قسد"، نفسها منه، ويضاف إلى ذلك أكثر من 35 بالمئة من عمليات تهريب القمح والشعير من المحافظات الشرقية تذهب نحو الأسواق في تركيا، وهذا ما يحقق لقسد عوائد مادية تتراوح بين 300-500 مليون دولار سنوياً فقط من علاقتها التجارية مع أطراف من المفترض إنهم خصوم لها على أساس عقائدي وعرقي وسياسي.م
العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، لم تمنع يوماً القوات التركية من استهداف مواقع قسد بالمدفعية الثقيلة أو استهداف قياداتها بالطيران المسير، وتشير المعلومات الخاصة بـ "وكالة أنباء آسيا"، إلى تسجيل 93 عملية للطيران المسير التركي خلال العام الماضي استهدفت مواقع أو سيارات لـ قسد، و أفضت لمقتل 133 مقاتلا كردياً من بينهم 47 قيادياً موزعين بين قادة صف أول أو أجهزة الاستخبارات التابعة للفصائل الكردية أو قادة مواقع على خطوط التماس، ومنذ بداية العام الحالي تشير الإحصائيات إلى أن حصيلة العمليات التي نفذها الطيران المسير التركي وصلت إلى 61 غارة موزعة على أرياف الحسكة والرقة وقتل فيها 90 مقاتلا كردياً من بينهم 35 قيادياً ميدانياً، ومن بين إجمالي القتلى لهذا العام 23 امرأة مجندة بمهام قتالية ضمن صفوف "الوحدات الكردية"، آخرها ثلاث مقاتلات من بينهن قيادية قبل يومين في ريف حلب.
تعيش "قسد"، بحبوحة اقتصادية من علاقاتها التجارية مع الخصوم في تركيا وشمال العراق، الامر الذي سمح لها برفع رواتب موظفيها والمجندين في صفوفها لأرقام تبدو خيالية قياساً على بقية مناطق سورية، وفي مقابل ذلك يعيش الجزء الأكبر من السوريين في ضائقة اقتصادية بسبب قلة موارد الدولة من المواد النفطية والحبوب التي تسيطر عليها "قسد"، وتمنع بقرار أمريكي خروجها نحو المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية الأمر الذي يشير فعلياً إلى الدور الوظيفي لـ قسد ضمن المصالح الأمريكية، وتحافظ القيادات الكردية على هذا الدور الوظيفي خشية من خروجها من اللعبة السياسية خالية الوفاض.