المواطن السوري بين سندان الحرب و مطرقة الأزمة الاقتصادية

يانا العلي-سورية- خاص لوكالة أنباء آسيا

2023.07.12 - 04:42
Facebook Share
طباعة

 في ظلِ ارتفاع معدلات الفقر والتشرد، يسقط المواطنون في براثن العجزِ واليأس والإحباط جراء عدمِ القدرة على توفيرِ احتياجاتهم الأساسية، وهو ما يؤثرُ بشكلٍ سلبي على حالتهم النفسية ويؤدي بالتالي إلى زيادة مستويات القلق والتوتر والاكتئاب وفد تتفاقم الأمور لتصل الى حد اللجوء للانتحار.

رافقت الحرب على سورية أزمة اقتصادية خانقة وممنهجة هدفت الى ضرب الاسس الاقتصادية في البلاد لزعزعة الاستقرار الاقتصادي الذي بدوره يؤدي للفلتان الامني و تفشي الرذيلة و الانحراف في المجتمع وبالتالي يدمر السلم الاهلي و العيش المشترك. للحديث عن تلك الأزمة و انعكاساتها السلبية التي ظهرت آثارها النفسية جليةً في المجتمع السوري يخبرُ وكالتنا الاقتصادي الدكتور جمال العص بأنه في البدايةِ لايُمكن أن نفصل بين الوضعِ المَعيشي والحرب على سورية، لان هذهِ الحرب منذُ بِدايتها كانَ هدفها اقتصاديًا بشكلٍ واضح. والدليلُ على ذلك، أنه بعدَ انطلاقِ الحرب من درعا انتقلت شرارتها مباشرة إلى حمص، ومن بعدها حلب وريف دمشق. وللتوضيح، يجبُ أن نسألَ  أنفُسَنا لماذا هذهِ المناطق؟ هل هي صدفة أم أمرٌ مدبَّر؟

 يحيل الدكتور العص الامر الى أن كلّ ذلك مخطط له ومدبّر، لأنَ حِمص هي المركزُ التجاري، ثم انتقلت الحرب إلى المناطقِ الصناعية(حلب-عدرا العمالية) لذلك يجزم بأنَ الهدفَ الأول كان اقتصاديًا فضربُ الاقتصاد وبالتالي مستوى معيشة المواطنين من أهمِ أهدافِ هذهِ الحرب.

أما عن الأسعارِ في الوقتِ الراهن، فنحنُ نعلمُ أنهُ بعدَ تدميرِ الإنتاج المحلي، فإنَ معظمَ مُنتجاتنا المستهلكة هي مستوردة وحتى المنتج منها محلياً يعتمدُ على مواد أولية مستوردة، وبالتالي من الطبيعي أن ترتفع أسعارُ المنتجات مع ارتفاع سعرِ الصرف، وباتت أسعار جميع السلع مرتبطة بسعر صرف الدولار. وللأسفِ فقدت العملة الوطنية قيمتها، عِلماً أن ارتفاع الأسعارِ لدينا ليسَ مرتبطاً فقط بسعرِ صرف الدولار. فارتفاع الأسعار يعودُ لعدةِ أسباب :منها ارتفاع تكاليف النقل، ارتفاع أسعار حوامل الطاقة، ارتفاع تكاليف الأعمال التجارية من جمارك وغيرها وزيادة أصحاب رؤوس الأموال لهامش الربح تحسبًا لتبعات تقلب العملة امام الدولار ولضمان ارباحهم.

إضافةً إلى ذلك، فإن تجارَ المواد الغذائية كان لهم دورًا سلبيًا في ارتفاعِ الأسعار، فمعظمُ المواد الغذائية لايتمُ تسعيرها على أساسِ سعر الصرف فقط، بل يتحكم التجار بمستوى ارباحهم لتعظيم ربحهم، مثل احتكار السلع والإشاعات عن واقعِ سلعةٍ معينة، وتسريب أنباء غير صحيحة عن نوايا تجار الاستيراد أو التصدير. كل ذلك لخدمة مصالحهم. وهذا ما يفسرُ ارتفاع أسعار السلع بشكلٍ دائم حتى مع انخفاض سعر الصرف.

و مما لاشك فيه أن الاقتصاد السوري يعاني من تضخمٍ بنسبٍ مرتفعة وقد اعتمدت الحكومة سياسةً تقشفيّةً لناحيةِ تثبيت الرواتب أو عدم رفعها بشكلٍ كبير، حتى يتم التحكم بالطلب. ولكن اعتقد أنه تم المغالاة بذلك، لدرجة أن الرواتب فقدت النسبة الأكبر من قيمتها، ولم تعد تُلبي أدنى مُتطلبات الحياة الأساسية. علماً أن زيادةَ الإنتاج يحتاجُ إلى زيادةِ الطلب، وزيادة الطلب يحتاج إلى زيادة القدرة الشرائية، وبالتالي زيادة الرواتب والأجور الشهرية التي أصبحت مطلبًا أساسيًا لتحسين مستوى المعيشة من جهة، ولتحريك عملية الإنتاج من جهة أخرى.

ومن ناحية أُخرى، لا يوجد مطلب معيشي محدد، وإنما لابد من دعم الإنتاج الصناعي والزراعي بالدرجة الأولى. فتحريك عجلة الإنتاج كفيلة بتحسين الوضع الاقتصادي بشكلٍ عام. فدعم الإنتاج يعني تسهيل حصول المزارع والصناعي على المواد الأولية وبأسعار مدعومة، حتى يتمكن من تحسين إنتاجه وتخفيض تكاليفه. مما ينعكسُ على انخفاض أسعارِ المواد الأساسية للمواطنين. 

وكذلك حال المواطنين السوريين فيقول السيد سعد عبود الذي يمتهن الأعمال الحرة لوكالة أنباء آسيا عن الحالة العامة للمعيشة، بأن الوضع المعيشي اليوم الذي تعيشه سورية، بات معروفاً للجميع. فمعظم السوريين يعيشون اليوم على الذكريات (زمن ما قبل الحرب) حيث كان معظمنا يعيش حالة الاستقرار بين الدخل والصرف وكان بإمكان المواطن السوري أن يدخر ولو القليل من راتبه او مدخوله الخاص لمستقبله، أما اليوم وبعد الأحداث وتدمير الكثير من المؤسسات العامة منها والخاصة، وقرصنة حقول القمح والغاز والنفط وارتفاع سعر الصرف والحصار الاقتصادي الجائر، بات الوضع الاجتماعي والنفسي سيئًا للغاية، ارتفاع جنوني في الأسعار مع مستوى متدني جداً للدخل، وظهور طبقة أثرياء وأمراء جديدة على حساب الطبقة الوسطى، وبالتالي انقسم اليوم المجتمع إلى طبقتين،طبقة فاحشة الثراء،

وطبقة فقيرة مسحوقة. يكمن الخلل هنا في عدم إيجاد طرق بديلة أكثر فاعلية في إنقاذ ما تبقى. 

أما في وقتنا الراهن، نحتاج إلى مقومَين اثنين، الأول والرئيسي هو الزراعة، تشجيعها ودعمها من خلال دعم الفلاح بالأسمدة والوقود حتى يتمكن من زراعة القسم الأكبر من أرضه واستمرار الحياة فيها، أما الثاني فهو الطاقة، الطاقة التي تؤمن النفط والغاز والكهرباء،ومعروف لدى الجميع انهم الرديف الأقوى لبناء الوطن واستمراريته ودفع عجلة الصناعة والتجارة والزراعة، وبالتالي تؤدي  إلى تنامي الاقتصاد السوري وانخفاض سعر الصرف مقابل الدولار وعودته إلى ما كان عليه. 

اليوم، أكثر مانطالب العمل عليه ،هو إعادة بناء الإنسان السوري إلى ما كان عليه قبل الأحداث، في دعم المؤسسات العامة منها والخاصة، وإعادة تفعيل دور الصناعيين أصحاب المعامل وتشجيعهم إلى إعادة بناء مصانعهم من خلال التسهيلات الحكومية والقرارات المساعدة التي تتيحُ لهم إعادة يناء ما فقدوه. والعمل على محاسبةِ المقصرين والفاسدين منتهكي أملاك الدولة وقطاعاتها، وإعادة بناء القطاع العام كونه الأوسع والأشمل وترتيب البيت الداخلي من حيث اعطاء كل ذي حق حقه ووضع الكادر المناسب في المكان المناسب، وإيقاف الهدر وخلق كفاءات جديدة مؤمنة بأهمية خلق سورية الحضارة. "

أما المُدَّرس علاء قرحيلي فقال لآسيا أنه غير مُتفائل بالأيام القادمة ابداً. فالأسعار في ارتفاع دائم، ولادخل يوازيها، ولا مؤشرات إيجابية تلوحُ في الأفق. الحل يكمنُ في رفعِ الأجور الشهرية وتخفيض الأسعار. كما أن أي زيادة على الأجور الشهرية أقل من صفر على اليمين سيكون  غيرَ مجدي، نسبة لارتفاع أسعار المواد الغذائية الضرورية، ناهيك عن أزمة تأمين الكهرباء التي تعدّ من الضروريات المُلحة للعيش الطبيعي.

بصفة عامة، فإن الوضع المعيشي الصعب في سورية يؤثر بشكلٍ كبير على صحةِ المواطنين النفسية والجسدية، ويزيدُ من مستويات الضغط والتوتر والإحباط بين الناس. ولذلك، فإن هناك حاجة ملحة إلى توفيرِ الدعم النفسي والاجتماعي للمواطنين السوريين، وإلى إيجاد حلول سريعة وفعالة لتحسين الوضع المعيشي في البلاد لإعادة الحياة الطبيعية و الأمل بمستقبلٍ أفضل لأبنائهم ليكون الحضن الآمن وبديلًا عن التشرد في بلاد الاغتراب.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 6