المعارضة المصرية من الموت الإكلينيكي إلى محاولات العودة

كتبت: شيماء حمدي

2022.11.19 - 07:28
Facebook Share
طباعة

في شهر رمضان الماضي وخلال إفطار الأسرة المصرية الذي حضره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعض رموز المعارضة وعلى رأسهم حمدين صباحي، انطلقت الدعوة للحوار الوطني، والذي ستبدأ جلساته في الأول من ديسمبر/ كانون أول القادم.
خلال الشهور الماضية وتحديدا منذ الدعوة للحوار، عادت المعارضة المصرية والمتمثلة في الحركة المدنية للساحة من جديد على استحياء، بعد أن استمرت لسنوات في حالة من التراجع والانسحاب، وصلت إلى حد الاختفاء، سواء من المشهد الإعلامي والصحفي وكذلك السياسي.
 
 
 
معارضة بلا سياسة:
وأسست الحركة المدنية عام 2017 وضمت عدد من الأحزاب (الإصلاح والتنمية- التحالف الشعبي الاشتراكي- الدستور- العيش والحرية (تحت التأسيس) - العدل- المصري الديمقراطي الاجتماعي- حزب الكرامة- حزب مصر الحرية- الحزب الاشتراكي- الحزب الشيوعي- الحزب الناصري) مع عددٍ كبيرٍ من الشخصيات العامة، بهدف تجميع تيارٍ سياسي وشعبي واسعٍ، الهدف منه بناء الدولة المدنية الديمقراطية للخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
لكن هذه الحركة لم تقدم ما أسست من أجله، بل تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، إذ عاشت واقعاً بسبب حالة التنكيل الأمني الذي طالها بشكل كبير، بعد أن هيمنت السلطة على كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، فضلًا عن تسخير كافة مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الإعلام في تشويه الصورة الذهنية للمعارضة وشيطنتها، فضلا عن الملاحقة الأمنية، والتي أدت إلى حبس عدد من قيادات أحزاب الحركة المدنية، والذين تم إخلاء سبيلهم مؤخراً.
يرى القيادي السياسي وعضو ائتلاف شباب الثورة سابقاً مصطفى شوقي، أن حالة التنكيل الأمني والتجريف السياسي التي عاصرتها المعارضة خلال السنوات الماضية كانت السبب الأبرز في تراجعها عن المشهد السياسي في مصر.
وأضاف في تصريحاته لوكالة أنباء آسيا أن السلطة في مصر كانت تعبر دائما عن إنها ضد السياسة، وأن لديها مشكلة مع الممارسة السياسية، وبالتالي  في ظل حرب السلطة على الإرهاب ومحاولتها لفرض الاستقرار الأمني من منظورها دهست كل القوى الديمقراطية في طريقها وأسكتت كل الأصوات ونكلت بكل معارض،  وهذا ما جعل المشهد السياسي مغلق فقط على المؤيدين والمعارضة المستأنسة، أي المعارضة التي لديها خطوط حمراء كثيرة وقابلة للترويض بدرجة أو بأخرى.
وتابع عضو ائتلاف شباب الثورة السابق، أنه منذ دعوة الرئيس السيسي في إفطار الأسرة المصرية عن الحوار الوطني، بدأ الحديث عن إمكانيات إنفراجه سياسية نحن حتى الآن لم نشهدها، لكننا أمام بعض الإرهاصات التي من الممكن أن تنتج انفراجه بدرجة أو بأخرى، مثل الإرهاصات التي في ملف سجناء الرأي وخروج عدد منهم، مثل الدعوة للحوار الوطني نفسه إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وإنهاء حالة الطوارئ، وغيرها من بوادر حسن النوايا التي تحاول السلطة أن تقدمها لكن في نفس الوقت مازالت ممارستها الأمنية على الأرض لم تعكس أي رغبة في خلق انفراجه سياسية.
وأشار شوقي إلى أن حالة التجريف والانسحاق السياسي التي عاشتها المعارضة خلال السنوات الماضية، أدى إلى أن المعارضة المتصدرة للمشهد في هذه اللحظة متكلسة بدرجة كبيرة مغلقة لا تستطيع ان تفتح نفسها على جيل الوسط وتعطيهم أدوار قيادية وبالتالي هي معارضة بلا صوت سياسي وتفقد ظاهرها النخبوي الجماهيري لحظة بلحظة.
 
 
 
 
حصار أمني على المعارضة المصرية:
منذ العام 2013، تراجعت المعارضة السياسية عن المشهد، فعلى مستوى الحركات السياسية والتي تشكلت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، تم ملاحقتها أمنياً وتصفيتها سياسيا عقب أحداث 30يونيو/حزيران.
أما على  مستوى أحزاب المعارضة، فقد شكلت جبهة الإنقاذ عام 2012 في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وتم حلها عام 2014  عقب الاستفتاء على الدستور بعد خلافات سياسية كان أبرزها دعم الرئيس القادم، قبل أن تعود عدد كبير من تلك الأحزاب للتوحد مرة أخرى تحت مظلة الحركة المدنية عام 2017.
منذ عام 2013 وحتى الآن، مرت المعارضة المصرية بالكثير من الضيقات الأمنية، كان أبرزها إغلاق المجال العام عبر تجريم التظاهر بموجب قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013، والذي يعطي سلطات الأمن صلاحية اعتقال من يُشتبه في رغبته في التظاهر كما حدث في مظاهرات 2016 احتجاجًا على التنازل عن تيران وصنافير للسعودية.
وقد ارتبط بذلك حالة القمع الأمني بموجب قانون الطوارئ الصادر في أبريل/نيسان 2017، والذي منح السلطة التنفيذية "أجهزة الأمن" صلاحيات استثنائية بدعوى الحفاظ على الأمن القومي.
هذا بالإضافة إلى " قانون مكافحة الإرهاب"، الذي أصدرته الحكومة المصرية في 29 يوليو/تموز 2015، وأقره الرئيس السيسي يوم 16 أغسطس/آب 2015 والذي قدمته الحكومة المصرية باعتباره حماية للبلاد من الإرهابيين، فيما انتقدته قوى عدد كبير من المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية.
وتعرض القانون لانتقادات تضمنها بيان مشترك وقعته 23 منظمة حقوقية، وسبعة أحزاب سياسية، و13 من الشخصيات العامة، بينهم مرشحون رئاسيون، إذ أبدت هذه الجهات تحفظها على قوانين تم تمريرها بحجة محاربة الإرهاب، وشددت على أن القانون "يحمل جملا فضفاضة، تمس بحقوق محمية بموجب الدستور وينال من الحريات العامة".
 
 
 
 
آمال معلقة:
يرى أكرم إسماعيل القيادي بحزب العيش والحرية- تحت التأسيس وعضو الحركة المدنية، أن هناك أزمة تنظيم تعيشها مصر، بمعنى أن التنظيمات النقابية والتعاونية وغيرها من الروابط ضعيفة، وبالتالي صلة الأحزاب بالمجتمع ضعيفة، وأن قوة الأحزاب السياسية من قوة الحركة المجتمعية نفسها، وبالتالي عندما يصبح المجتمع ضعيف ودون تنظيم، فبالضرورة تصبح المعارضة ضعيفة، وتصبح العملية السياسية جميعها في حالة من الضعف.
وأوضح القيادي بحزب العيش والحرية، أن المعارضة بعيدة عن المجتمع المصري، نظرا لاختزال معاركها السياسية في عناوين مؤدلجة (تحكمها الأيدلوجيات والتوجه السياسي) دون النظر إلى المجتمع، لكن  رغم ذلك هناك فرصة أن تشكل المعارضة رقم في المعادلة، ولكي يحدث هذا لابد من إتاحة المساحة أمام المعارضة.
وأضاف، أن السلطة الحالية لا تعترف أن المجال السياسي حتى المحدود منه هو ضرورة لإدارة الخلافات والأولويات حتى ولو بشكل محدود ونخبوي، بمعنى أن لابد من وجود تفاوض حتى يتم انتقال السلطة بشكل سلس وسلمي دون انتفاضات أو انقلابات أو أزمات صعبة.
ويرى إسماعيل، أن الحوار الوطني من الممكن أن يكون فرصة للمعارضة السياسية وللسلطة للوصول لشروط وحل للتعايش المشترك، وهذا يجعل هناك قبول ما للسلطة بوجود المعارضة ووجود مجال عام مفتوح ووجود بعض أشكال المعارضة وبعض أشكال حرية التعبير وهذا يجعل هناك فرصة في وجود انتخابات أفضل نوعا ما وأن يكون هناك متنفس للمجتمع.
وتابع القيادي بحزب العيش والحرية، أن هذا مرهون على عملية الحوار الوطني وأن تكون جادة وأن يكون هناك فكرة إنتاج شروط للمجال السياسي يمكن احتماله ويمكن ان تتحرك فيه المعارضة السياسية، بشكل آمن.
موضحاً أن الحكومة المصرية تحتاج إلى التفاوض مع قطاعات كبيرة من المجتمع وهذا لن يحدث دون مساحة سياسية. مشيراً إلى أن  التفاوض يحمي المجتمع من التوتر ويدعم الاستقرار، وبالتأكيد لم ينته الحوار بهذا النضج لكنه من الممكن أن يكون البداية.
من جهتها قالت الكاتبة الصحفية كريمة الحفناوي القيادية بالحزب الإشتراكي المصري، أن الإيجابي من الحوار الوطني حتى الآن، هو فتح الأبواب أمام المعارضة لتلتقي بعد سنوات، واستطاعت أن تكون كتلة مدنية مكونة من عدة أحزاب من تيارات مختلفة، وأن يكون هناك حوار بين هذه الكتل حول القضايا المتعددة التي تخص الوطن ككل، وأن يتم بلورة هذه الرؤى وتصل إلى الشعب المصري الذي ظل لسنوات لا يسمع إلا لصوت واحد من خلال الصحافة والإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي في فترة لا يوجد بها الرأي والرأي الأخر.
وأضافت، أن هناك ضرورة أن يصل للشعب أن هناك حلول وأطروحات أخرى غير التي ينتهجها النظام لأن ما انتهجه النظام من سياسات الفترة السابقة كانت سببا في الأزمات التي نراها الآن والتي يعاني منها الشعب في كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية.

وأوضحت القيادية بالحزب الاشتراكي، أن عودة المعارضة ككتلة مكسب، إلى جانب مكسب الافراج حتى لو عدد قليل جدا من المعتقلين السياسيين. مشيرا إلى أن النظام حتى الآن على أرض الواقع أن الحوار الوطني في تجهيزاته الأخيرة لازال ينتهج سياسة القمع والترهيب بدليل اعتقال المئات خلال الفترة الماضية بسبب رغبتها في التعبير السلمي. موضحة أن الأمل يتضاءل حول استمرار الحوار والتعبير السلمي وعودة المعارضة والوصول لجماهير للشارع، لكن في كل الأحوال لابد أن تستمر المعارضة في السعي فالحقوق تنتزع ولا تمنح. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10