ثالثا). إيران:
تُعتبر إيران، واحدة من أكثر الفاعلين الإقليميِّين نفوذاً في أفغانستان، ودائمًا ما ترى فيها تهديدًا لأمنها، ولكنَّها أيضًا فرصة لتوسيع التجارة والوصول إلى الأسواق الأفغانيَّة وآسيا الوسطى, ولم ترغب إيران أبدًا في وجود أمريكي طويل الأمد في أفغانستان, واستهدفت الولايات المتَّحدة بكل من القوَّة الناعمة والصلبة, وعارضت إيران الاتفاقيَّة الأمنيَّة الثنائيَّة التي تمَّ التفاوض عليها بين أفغانستان والولايات المتَّحدة، بينما دعمت أيضًا المتمرِّدين المناهضين للولايات المتَّحدة, ولطهران مصالح أمنيَّة كبيرة في أفغانستان, وقاتلت ولاية خراسان الإسلاميَّة هناك من خلال "لواء فاطميُّون"، الذي جند مقاتلين أفغان شيعة في السابق, وأشارت الدراسات أنَّ إيران ستسعى جاهدة للحفاظ على وصولها إلى السوق الأفغانيَّة، وتعزيز ما أسمته "الأيديولوجيَّة الشيعيَّة" هناك، والتصدِّي للتهديدات العابرة للحدود الوطنيَّة مثل التشدُّد وتهريب المخدرات والتمرُّد.
وتحدَّث تقرير "Raj Verma" في موقع link Springer"" أنَّ ما يقرب من 20 ٪ من سكان أفغانستان هم من الشيعة, بما في ذلك الهزارة، ولإيران مصالح سياسيَّة واقتصاديَّة وأمنيَّة واستراتيجيَّة غير قابلة للتفاوض في أفغانستان, كما حافظت إيران على علاقات وثيقة مع اللاعبين الرئيسيِّين في السياسة الأفغانيَّة, وهي لا تريد منافسة تؤدِّي إلى هجرة جماعيَّة للاجئين إلى إيران, فهناك ما يقرب 2.5 مليون أفغاني يقيمون في إيران, ففي العام 2017م، كان هناك 17000 طالب أفغاني يدرسون في التعليم العالي في إيران, كما فتحت جامعات في إيران فروعاً لها في هرات ومدن أخرى في أفغانستان.
كما تَشعر إيران بقلق بالغ إزاء تجارة المخدِّرات, واحتمال نشوء إمارة إسلاميَّة يؤثّر على طهران مستقبلاً, وأشار التقرير أنَّ إيران دعمت حركة طالبان بعد انهيارات متتالية منذ العام 2001م, عبر تدريبات ومعدَّات عسكريَّة متطوِّرة لبعض جماعات طالبان, لمحاربة القوَّات الأمريكيَّة وقوَّات الناتو, وفي الوقت نفسه، واصلت إيران تقديم الدعم للحكومة الأفغانيَّة( ).
وقال "Meg Kaiser" في مركز Wilson center"" للدراسات أنَّ إيران وافقت الولايات المتَّحدة بداية في القضاء على طالبان، إلَّا أنَّها لا تريد وجوداً أمريكيَّاً دائمًا على حدودها, فبالنسبة لإيران، تعتبر أفغانستان وسيلة لتحقيق غاية، والهدف النهائي هو الاعتراف بالدور الإيراني من قبل الولايات المتَّحدة, حيث تسعى إيران إلى الاعتراف من خلال التضمين, وهي مستعدَّة لإثبات أنَّ الإقصاء له ثمن باهظ( ), وبالتالي عملت طهران إلى تغيير سياستها في السنوات الأخيرة, اتجاه أفغانستان كحكومة, واتجاه حركة طالبان, واستضافت طهران مسؤولي الحكومة الأفغانيَّة وطالبان, في جولة محادثات سابقة, لكنَّ المخاوف لا تزال قائمة مع فرار الجنود الأفغان عبر الحدود وسط مكاسب طالبان, وأكَّد المتحدِّث باسم وزارة الخارجيَّة الإيرانيَّة "سعيد خطيب زاده" أنَّ طهران ستتصدَّى لأي تهديدات, تتماشى مع مصالح إيران الخاصَّة والاتفاقيَّات الثنائيَّة مع كابول, كما تحدَّثت بعض التقارير على أنَّ واشنطن تدفع بأفغانستان اتجاه دول أخرى, حيث سلَّط الرئيس جو بايدن الضَّوء على ضرورة أن تستثمر القِوى الأخرى في أفغانستان مستقرَّة، حيث أوشكت الولايات المتَّحدة على نهاية تواجدها, وأشار في تصريحات مؤخَّراً أنَّ "هناك عددًا من الدول التي لديها مخاوف كبيرة بشأن ما سيحدث في أفغانستان فيما يتعلَّق بأمنها", لا سيما إيران.
وقال "كبير تانيجا" في "Orfonline", إيران، كانت تاريخياً على خلاف أيديولوجي مع طالبان, ومع ذلك، فإنَّ التدخُّل الذي تقوده الولايات المتَّحدة في أفغانستان، والذي جعل القوة العسكريَّة الأمريكيَّة أقرب إلى الحدود الإيرانيَّة، دفع بطريقة جديدة تعاملت بها طهران في نهاية المطاف مع كل من طالبان والحكومة الحاليَّة في كابول, ويذكر أنَّ طالبان عيَّنت من الشيعة الهزارة، "مولوي مهدي"، كرئيس لـ"منطقة الظل"( ), كبادرة حسن نيًّة, حيث تجد إيران وطالبان نفسيهما على أرضيَّة مشتركة عندما يتعلَّق الأمر بالوجود الأمريكي في أفغانستان( ).
وحسب التقارير, فإنَّ إيران مدفوعة بتقارب مع طالبان بسبب بروز داعش في أفغانستان, ما دفع بالعلاقات بين إيران وطالبان لتأخذً بُعدًا جديدًا, فبعد أن وفَّرت الملاذ لقيادة وكوادر الجماعة، وفَّرت المساعدات والأسلحة والذخيرة ليس فقط لمحاربة داعش، ولكن أيضًا لقوَّات الولايات المتَّحدة والأطلسي, كما فتحت مكتب اتصال لطالبان في "زاهدان", ولاحقًا في مدينة "مشهد", ما أدى إلى إنشاء "مجلس" مشهد, ولفترة طويلة، رفضت طهران, أو قلَّلت من أهميَّة علاقاتها وتأثيرها على طالبان, مع ذلك، قبلت إيران مؤخَّرًا علنًا علاقاتها مع طالبان, حيث أنَّه بعد مقتل سليماني, وحسب تسريبات غربيَّّة طلبت إيران مساعدة طالبان لزيادة حدَّة الهجمات ضد القوَّات الأمريكيَّة في شمال وغرب أفغانستان, وفي 28 يناير 2020م، زعمت حركة طالبان أنَّها أسقطت طائرة استطلاع أمريكيَّة من طراز E11, يُقال أنَّها كانت تحمل مسؤول وكالة المخابرات المركزيَّة "CIA" "داندريا" الذي أشرف على عمليَّات وكالة المخابرات المركزيَّة في أفغانستان والعراق وإيران, ويُعزى إسقاط الطائرة إلى المساعدة الإيرانيَّة.
وأشار "KOUROSH ZIABARI" في موقع Asia times""و أنَّه في يناير من هذا العام، استضافت وزارة الخارجيَّة الإيرانيَّة, اجتماعاً مثيراً للجدل, مع وفد من ممثلي طالبان برئاسة "الملا عبد الغني بردار"، المؤسِّس المشارك والنائب السياسي للجماعة المتمرِّدة, ومنذ ذلك، أجمعت السلطات الإيرانيَّة على الدفاع عن علاقاتها المزدهرة مع طالبان، حتى أنَّها قامت بشكل متقطِّع بتعقيم وتلطيف ماضيها المروِّع, كما التقى ممثِّلو طالبان بعلي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي غرد بعد وقت قصير من الاجتماع: "في اجتماع اليوم مع الوفد السياسي لطالبان، وجدت قادة هذه المجموعة عازمين على محاربة الولايات المتَّحدة, أولئك الذين تعرضوا للتعذيب لمدة 13 عامًا في غوانتانامو لم يتخلُّوا عن القتال ضد الولايات المتَّحدة في المنطقة", ويعتقد بعض الخبراء أيضًا أنَّ تعامل طهران مع طالبان, يسعى إلى الحفاظ على موطئ قدم لها في أفغانستان، حيث استثمرت بكثافة في السنوات الأخيرة, ويرى مراقبون أنَّ حركة طالبان العام 2021م, مختلفة تمامًا عن طالبان العام 2001م، بحجَّة أنَّه بمجرَّد وصولها إلى السلطة، ستكون الجماعة المسلَّحة أكثر براغماتية وأقل أيديولوجيَّة، وستسعى جاهدة لتلبية مطالب الشعب الأفغاني.
وحسب Bobby Ghosh"" في houst on chronicle"" أنَّه على الرغم من أنَّ إيران صعَّدت من تواصلها الدبلوماسي مع طالبان، إلَّا أنَّ حكومة الرئيس القادم إبراهيم رئيسي، يجب أن تحسب الآن مخاطر متجدِّدة في الشرق, قد لا يكون لطالبان أي مصلحة في إسقاط النظام الإيراني، لكن صعودها في الحرب الأهليَّة الأفغانيَّة سيؤدِّي بالتأكيد إلى تدفُّق موجات جديدة من اللاجئين عبر الحدود التي يبلغ طولها 560 ميلًا بين البلدين، مصحوبة بارتفاع في تجارة المخدرات والبشر، وكذلك زيادة النشاط الإرهابي, ومن مؤشِّراته, سيطرة طالبان على إسلام قلعة، وهو نقطة حدوديَّة رئيسيَّة بين البلدين, كما أنَّ قوَّات الأمن الأفغانيَّة ومسؤولي الجمارك, فروا إلى الجانب الإيراني, وفي عام 1998م، ذبح رجال الميليشيَّات المتحالفة مع طالبان 11 إيرانيًا هناك، من بينهم تسعة دبلوماسيِّين, كما أنَّهم عندما حكموا كابول، عاملت طالبان الأقليَّة الشيعيَّة في أفغانستان بوحشية شديدة, كما أنَّ هناك جماعات متطرِّفة أخرى متحالفة مع طالبان, ومع إبعاد الأمريكيِّين عن الطريق، ستبحث تلك المجموعات في أماكن أبعد بحثًا عن أهداف جديدة, وهذا يثير بالفعل ناقوس الخطر في الصين وروسيا، لكنَّ طهران، عن طريق القرب والعداء، هي الأكثر ضعفاً, لذا، حتى عندما ابتسموا بابتسامة ضبابيَّة لقادة طالبان عبر الطاولة في طهران, عَرف الإيرانيون أنَّهم يواجهون خصمًا قديمًا، أعيد تنشيطه حديثًا, وربما تلك الابتسامات لن تدوم طويلاً, مع وجود قلق من اتفاقيَّات سريَّة بين طالبان والولايات المتَّحدة قبل الانسحاب, ربما ُستخدم الولايات المتَّحدة الحركة, ضد طهران( ), حيثُ شكَّك "Apoorva Jain" في موقع Eurasian times"" بالانسحاب "المتسرِّع" من قبل الولايات المتَّحدة وأسبابه, وخفاياه( ), وتأثير ذلك على الأمن في إيران.
تَعي إيران هذه المسألة ولذلك وحسب التقارير, فإنَّه بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان, وفي حال أي تغييرات طارئة ضد طهران, سيتبرز إيران عضلاتها, وبحسب بعض المحلِّلين، يمكن لإيران استخدام "ميليشيا فاطميَّون", فوفقًا لجنرال مشاة البحريَّة الأمريكيَّة "فرانك ماكنزي"، أنَّه يمكن لإيران استخدام وكلائها ضد الولايات المتَّحدة في أفغانستان والمنطقة الأوسع, ويمكن لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني استخدام نخبة أعضاء جماعة الفاطميَّون في عمليَّات سريَّة وهجمات "إرهابيَّة" في أفغانستان, حيث يقول "عارف رحماني"، عضو البرلمان الأفغاني، إنَّه إذا نظَّم الفاطميُّون أنفسهم في جماعة مسلَّحة في أفغانستان، "فلن تتمكَّن الحكومة ولا الطائفة الشيعيَّة الهزارة من إيقافهم", وربما نشهد طالبان شيعيَّة جديدة في أفغانسان.
وتحدَّث تقرير "Sudha Ramachandran" في مركز "Jamestown" للدراسات, أنَّه في كانون الأوَّل / ديسمبر 2020م، عرض وزير الخارجيَّة الإيراني محمد جواد ظريف على الحكومة الأفغانيَّة استخدام "الميليشيا" الشيعيَّة المدعومة من إيران، "لواء فاطميُّون"، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلاميَّة في خراسان في أفغانستان, ظريف وصف المقاتلين أنَّهم "أفضل القوات" لمحاربة تنظيم الدولة الإسلاميَّة، وبالتالي في عرض ظريف "رسالة واضحة" بشأن مدى "مشاركة إيران بنشاط في أفغانستان"، فالرسالة لا تستهدف الحكومة الأفغانيَّة فحسب، بل تستهدف أيضًا طالبان والولايات المتَّحدة, في حالة تهديد المصالح الإيرانيَّة في أفغانستان، فإنَّ طهران مستعدة وراغبة في إطلاق سراح فاطميُّون في أفغانستان المجاورة ( ).
وفي هذا الإطار يقول "صابر الإبراهيمي"، زميل غير مقيم في مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك، أنَّ إيران والدول الأخرى التي تفاوضت وعملت مع طالبان, أعطت مصداقيَّة للحركة، لكنَّها فعلت ذلك لتأمين مصالحها الخاصة, لكن قد يعني هذا أنَّ الولايات المتَّحدة على ما يرام مع نظام ثيوقراطي في أفغانستان، يشبه في الواقع جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة، بنسخة سنيَّة وبالتالي منافس لإيران, وربَّما هذا ما تريده الولايات المتَّحدة من زرع ألغام في هذا البلد الفقير ( ).
المصادر:
- https://link.springer.com/article/10.1057/s41311-021-00302-7
- https://www.wilsoncenter.org/event/shaping-the-future-the-role-the-regional-powers-afghanistan-and-pakistan
- Afghanistan’s Taliban appoints minority Shia Hazara official in ‘historic first’”, The New Arab, April 29, 2020
- https://www.orfonline.org/research/from-war-to-peace-the-regional-stakes-in-afghanistans-future/
- https://www.houstonchronicle.com/opinion/outlook/article/Opinion-No-joy-for-Iran-over-the-Taliban-romp-16313680.php
- https://eurasiantimes.com/graveyard-of-super-powers-as-afghan-taliban-runs-riot-on-vital-border-crossings-will-india-china-join-the-misadventure/
- https://jamestown.org/program/the-shia-fatemiyoun-brigade-irans-prospective-proxy-militia-in-afghanistan/
- https://asiatimes.com/2021/07/iran-seeks-upper-hand-in-the-new-afghanistan/