عمدة نيويورك الجديد يربك إسرائيل: مناصِر للفلسطينيين في قلب الجالية اليهودية
أثار انتخاب السياسي التقدّمي زهران ممداني عمدةً لمدينة نيويورك صدمةً في الأوساط الإسرائيلية التي اعتبرت فوزه «نقطة تحوّل خطيرة» في علاقة إسرائيل بأقرب حلفائها في الولايات المتحدة، لا سيما أن المدينة الأميركية الكبرى تضم ثاني أكبر جالية يهودية في العالم بعد تل أبيب.
بداية الصدمة في إسرائيل
لم يكد يُعلن فوز ممداني حتى ساد القلق الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل، التي رأت في انتخاب سياسي مسلم من أصول هندية – يحمل برنامجاً انتخابياً مؤيداً للفلسطينيين – «إشارة مقلقة على تغيّر المزاج الأميركي».
القلق الإسرائيلي تعمّق بعدما أظهرت نتائج التصويت أن ما يقرب من ثلث الناخبين اليهود في نيويورك صوّتوا لصالح ممداني، في سابقةٍ بدت صعبة الهضم لدى الشارع الإسرائيلي.
تقول الإسرائيلية هناء ييغر من القدس لوكالة «أسوشييتد برس»: «هذا خبر سيئ لليهود ولإسرائيل... سيئ جداً. لا يمكننا أن نقول غير ذلك».
من ملفات نيويورك إلى قلب الصراع
رغم أن حملة ممداني انطلقت من قضايا اقتصادية واجتماعية داخلية، كالسكن ورعاية الأطفال، فإن إسرائيل تجاهلت كل ذلك ورأت في صعوده إلى سدة أكبر مدينة أميركية «هزّة سياسية».
ويرى محللون أن فوزه يعكس تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، وخصوصاً بين الشباب الذين تأثروا بمشاهد الحرب في غزة وسياسة الاحتلال.
ممداني، البالغ من العمر 34 عاماً، ينتمي إلى الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، ويُعد من أبرز الوجوه الداعمة علناً للحقوق الفلسطينية داخل الساحة الأميركية. وقد وصف الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها «إبادة جماعية»، وتعهد – في تصريحات مثيرة – باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك، بسبب «مسؤوليته عن جرائم الحرب في القطاع».
ردود إسرائيلية غاضبة
سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى مهاجمة ممداني بشدة.
فقد نشر وزير الشتات ومكافحة معاداة السامية عميخاي شيكلي سلسلة تغريدات وصوراً مسيئة للعمدة الجديد، بينها صورة لمركز التجارة العالمي أثناء هجمات 11 سبتمبر كتب تحتها: «نيويورك نسيت بالفعل»، في إشارة إلى اتهام ممداني بالتعاطف مع الإسلاميين.
كما دعا شيكلي يهود نيويورك إلى الهجرة نحو إسرائيل قائلاً: «المدينة التي كانت رمزاً للحرية العالمية سلّمت مفاتيحها لأحد مؤيدي (حماس)».
أما سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون فحذّر من أن فوز ممداني قد يعرّض «شعور الجالية اليهودية في نيويورك بالأمن للخطر»، نظراً لدوره في الإشراف على جهاز الشرطة في المدينة.
ممداني يردّ: «مناهضة الاحتلال ليست معاداة للسامية»
في خطاب النصر، أكد ممداني أنه سيبني إدارة «تقف بثبات إلى جانب يهود نيويورك في مواجهة معاداة السامية»، لكنه شدّد في الوقت ذاته على أن مناهضة الاحتلال الإسرائيلي ليست معاداة للسامية، بل دفاع عن القيم الإنسانية.
هذا الموقف دفع محللين إسرائيليين إلى التحذير من تحوّل سياسي في الرأي العام الأميركي. كتب شموئيل روزنر، الباحث في «معهد سياسة الشعب اليهودي»، أن فوز ممداني يثبت أن «الوقوف ضد إسرائيل أصبح خياراً سياسياً قابلاً للربح في أميركا».
تحوّل داخل الجالية اليهودية الأميركية
يرى خبراء أن فوز ممداني يعكس انقساماً متزايداً داخل الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، حيث بدأت أجيال شابة من اليهود الأميركيين تنأى بنفسها عن سياسات الاحتلال.
وقالت الباحثة ميراف زونسزين من «مجموعة الأزمات الدولية» إن انتخاب ممداني يبرهن أن «الاحتكار التاريخي للسياسات المؤيدة لإسرائيل في أميركا بدأ يتفكك».
فرح فلسطيني ورسائل رمزية
في المقابل، استقبل الفلسطينيون وأنصارهم في العالم العربي فوز ممداني بفرحٍ كبير، معتبرين أنه انتصار رمزي في وجه آلة الدعاية الإسرائيلية.
وقال السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي: «انتخاب السيد ممداني أمر ملهم حقاً. إنه يعكس انتفاضة كبيرة في صفوف الشباب الأميركيين، بمن فيهم الشباب اليهود، ضد الظلم السياسي والاجتماعي. لقد أصبحت القضية الفلسطينية قضية انتخابية داخلية في الولايات المتحدة».
دلالات أبعد من نيويورك
أن فوز ممداني لا يقتصر على رمزيته داخل نيويورك، بل يمثل نقطة تحوّل في الخطاب السياسي الأميركي، الذي بدأ يُظهر استعداداً متزايداً لتحدي النفوذ الإسرائيلي.
ويقول أحد المحللين في واشنطن إن انتخاب ممداني «يُظهر أن دعم إسرائيل لم يعد شرطاً للنجاح السياسي في أميركا، بل ربما أصبح عبئاً في بعض الدوائر الديمقراطية».
وبينما تنشغل إسرائيل بتداعيات الحرب في غزة وتراجع صورتها عالمياً، يبدو أن فوز ممداني جاء ليضيف ضربة جديدة لسطوة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ويعكس – ربما لأول مرة – تحوّلاً عميقاً في الضمير الأميركي تجاه القضية الفلسطينية، من التعاطف الصامت إلى التأييد العلني.
