تدخل الحكومة اليمنية مرحلة فارقة مع بدء تنفيذ خطة إصلاحات اقتصادية واسعة، تهدف إلى استعادة السيطرة على الموارد السيادية ووقف استنزاف المال العام، بعد سنوات من تفكك مؤسسات الدولة وتوسع نفوذ السلطات المحلية.
الوثيقة الإصلاحية التي أقرّها مجلس القيادة الرئاسي تكشف اختلالات عميقة في إدارة الإيرادات، بينها استحواذ محافظات على الحصة الأكبر من موارد الدولة، واستحداث منافذ بحرية غير قانونية، وفشل الحكومة في تحصيل عائدات الغاز والمشتقات المحلية، إضافة إلى اتساع ظاهرة الجبايات الموازية على الطرق الرئيسة.
تأتي هذه الخطوات بعد ثمانية أعوام من محاولات لم تنجح في ضبط الإيرادات أو فرض الانضباط المالي، ما أدى إلى عجز كبير في الموازنات وتأخير صرف رواتب الموظفين لأكثر من أربعة أشهر، وسط تحديات اقتصادية خانقة أفرزتها الحرب وهجمات الحوثيين على موانئ تصدير النفط.
نزاع صلاحيات وتآكل سلطة الدولة:
أحد أخطر ما تضمنته الخطة يتمثل في الإقرار الرسمي بأن السلطات المحلية انتزعت صلاحيات الحكومة المركزية في إدارة الموارد، خصوصاً في محافظات عدن ومأرب وحضرموت والمهرة وتعز. وترافق ذلك مع انتشار نقاط جبايات غير رسمية على الطرق، شكلت شبكة مالية موازية أنهكت التجارة وأضعفت الخزينة.
كما شملت خطة الإصلاحات إلغاء الرسوم التي فرضتها السلطات المحلية خارج القانون، وإلزام المحافظات بإيداع إيراداتها في حسابات البنك المركزي، وإغلاق الحسابات الموازية في الداخل والخارج، بما فيها الحسابات القنصلية التابعة لوزارة الخارجية.
مواجهات محتملة مع المحافظات:
المهلة الحكومية التي تمتد لشهرين قبل تطبيق الإجراءات خلقت حالة ترقب، وسط تقديرات بأن بعض السلطات المحلية قد ترفض الالتزام، خاصة في المحافظات النفطية التي اعتادت إدارة مواردها بشكل مستقل. ويرى مراقبون أن الخطة تواجه اختباراً سياسياً بقدر ما هو اقتصادي، مع احتمال بروز مساومات أو اشتراطات مقابل الامتثال للإجراءات الجديدة.
ضبط المنافذ وإلغاء الاستثناءات:
الخطة تضمنت توقيف العمل بالمنافذ البحرية المستحدثة خارج القانون، مثل قنا في شبوة والشحر في حضرموت ونشطون في المهرة ورأس العارة في لحج، وإخضاع جميع المنافذ الجمركية لإدارة الحكومة المركزية، مع منع أي تخفيضات أو إعفاءات جمركية فردية.
كما ألزمت شركات النفط والغاز الوطنية، بما فيها «بترومسيلة» و«صافر» و«مصفاة عدن»، بتسليم كامل الإنتاج إلى شركة النفط الحكومية، التي تتولى التسويق وتوريد الإيرادات حصراً إلى حسابات الدولة.
تحديات مركبة في طريق التنفيذ:
إلى جانب الصدام المحتمل مع السلطات المحلية، يرى اقتصاديون أن الإجراءات قد تواجه اعتراضات اجتماعية نتيجة احتمالات توحيد أسعار المشتقات النفطية ورفعها، على خلفية الدراسة التي طلبت الحكومة إعدادها لعرضها على مجلس الوزراء.
كما تواجه الحكومة تحدي إزالة النقاط الأمنية التي تفرض جبايات غير قانونية، وهو إجراء قد يثير توترات ميدانية إذا لم يقترن ببدائل مالية للمحافظات والأجهزة التي تعتمد على تلك الإيرادات.
لحظة حاسمة:
في ظل هذا المشهد، تبدو اليمن أمام مفترق طرق اقتصادي وإداري نجاح خطة الإصلاح يعتمد على قدرة الحكومة على فرض سلطتها، وتقديم حوافز للمحافظات، وضمان الشفافية في إدارة الموارد أما الفشل، فقد يعني استمرار التفكك المالي والمؤسسي، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
الإصلاحات مطلوبة، الطريق معقد، والنتيجة ستحدد شكل الدولة اليمنية في المرحلة المقبلة.