شهدت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك فوضى غير مسبوقة خلال خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تحوّل إلى مشهد صدامي بين موجات الاستهجان والانسحابات الجماعية من جهة، وتصفيق متقطع رتّبه مكتب نتنياهو مسبقًا من جهة أخرى. الخطاب الذي تجاوز 40 دقيقة مثّل اختبارًا حقيقيًا لعزلة إسرائيل المتزايدة على الساحة الدولية.
فور صعود نتنياهو إلى المنصة، انسحب عشرات المندوبين الدبلوماسيين من قاعة الاجتماعات، في رسالة احتجاجية مباشرة ضد سياساته وحربه على غزة. وبالتزامن مع ذلك، علت القاعة أصوات الاستهجان والهتافات المنددة، فيما حاول أحد الحاضرين مقاطعة خطابه منذ اللحظات الأولى، ما اضطر عناصر الأمن للتدخل.
في مواجهة هذا المشهد، لجأ مكتب نتنياهو إلى تعبئة القاعة بعدد من أنصاره الذين جرى استدعاؤهم خصيصًا لتوفير غطاء من التصفيق والتشجيع، في محاولة لخلق صورة إعلامية معاكسة للرفض الدولي. ومن بين الحضور المؤيدين شخصيات يهودية بارزة مثل المحامي آلان ديرشويتز، إضافة إلى عمدة نيويورك إريك آدامز الذي حضر "تكريمًا" لإسرائيل ونتنياهو شخصيًا.
خطاب نتنياهو استمر 41 دقيقة، متجاوزًا السقف الزمني المسموح للقادة (15 دقيقة)، وهو ما اعتُبر استعراضًا زائدًا أثار انتقادات في الداخل الإسرائيلي أيضًا. زعيم المعارضة يائير لابيد علّق ساخرًا بالقول: "العالم شاهد رئيس وزراء إسرائيليًا مرهقًا يتباكى في خطاب مليء بالحيل المكررة".
احتجاجات في شوارع نيويورك
بالتوازي مع ما جرى داخل الأمم المتحدة، امتلأت شوارع نيويورك بآلاف المتظاهرين الداعمين لغزة، رافعين لافتات تندد بما وصفوه بـ"حرب الإبادة الجماعية" التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين. وطالب المحتجون بفتح ممرات إنسانية عاجلة، مؤكدين أن سياسات نتنياهو تهدد الاستقرار الدولي وتفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع.
زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة تأتي وسط غضب دولي متصاعد، واضطراره للإقامة تحت حراسة مشددة في فندق "ريجينسي" بمانهاتن، حيث يخضع لإجراءات أمنية مشددة بسبب التظاهرات المناهضة له. ومن المقرر أن يلتقي يوم الاثنين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، في رابع لقاء يجمعهما منذ مطلع العام، في وقت يسعى نتنياهو إلى ضمان الدعم الأمريكي الكامل لمواقفه الرافضة لأي مسار سياسي يقود لقيام دولة فلسطينية.
خطاب نتنياهو الأخير في الأمم المتحدة أظهر بوضوح حجم التصدع في صورة إسرائيل عالميًا. فبينما يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الاعتماد على حلفاء مخلصين وصورة مصطنعة للتأييد، تكشف ردود فعل المجتمع الدولي – داخل القاعة وخارجها – أن إسرائيل تواجه عزلة غير مسبوقة، وأن سياسات نتنياهو باتت مثار رفض واسع حتى في قلب العواصم الغربية التي لطالما وفرت له الدعم.