في ذكرى أكتوبر… أشرف مروان الذي حير المصريين "عميل مزدوج أم جاسوس"

فريدة جابر

2023.10.07 - 03:47
Facebook Share
طباعة

 بمناسبة مرور نصف قرن على الوثائق التي تشرح ظروف وملابسات حرب أكتوبر 1973، أفرجت إسرائيل عن تلك الوثائق، إذ يتعلّق أبرز ما فيها بالدور الذي لعبه " أشرف مروان" والذي لقب بـــــ "الملاك"، واصمة إياه بعمالته لجهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد".


و"الملاك" هو الاسم الحركي الذي أطلقه الموساد على السفير أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وسكرتير الرئيس الراحل أنور السادات للمعلومات، وسفير مصر الأسبق لدى لندن، خلال الحرب.


وعلى مدار نصف قرن لم تنف أو تؤكد مصر من خلال تصريحات أو وثائق مماثلة عن الدور الذي لعبه أشرف مروان، فحتى الآن لا توجد وثائق مماثلة ولا أنشئت لجنة تحقيق مستقلة، تبحث وتستقصى، وتجيب على الأسئلة المعلقة المثارة حول حقيقة أشرف مروان الذي لقى مصرعه بطريقة غامضة، إثر سقوطه من شرفة شقته في لندن عام (2007).


معلومات اسرائيلية وصمت مصري:


ومن خلال الوثائق التي قدمها جهاز الموساد، فإن الرواية الإسرائيلية تشير إلى معلومات فائقة الحساسية والدقة قدمها مروان للموساد قبيل اندلاع حرب أكتوبر. والتي على أساسها نفى الموساد أي تقصير له في التنبؤ بموعد الحرب، واتهامه بالإخفاق في التعامل مع الخداع المصري، بحسب شعبة المعلومات العسكرية الإسرائيلية "أمان"- وهو ما ظهر في الفيلم الوثائقي الذي عرض مؤخرًا عن " جولدمائير" رئيس وزراء إسرائيل حينها.


وبحسب الرواية الاسرائيلية، فقد قدم الموساد الكثير من المواد الاستخباراتية عالية الجودة في المجالين السياسي والعسكري، الخاصة بقرار مصري سوري مرتقب بخوض الحرب ضد إسرائيل، والتي تلقاها عبر المصدر الأرفع للجهاز، وهو أشرف مروان.


وشملت تلك المواد "الكثير من المعلومات حول الجيشين المصري والسوري، متضمنة تحذيرات واضحة حول الموعد المتوقع لبدء الحرب". وأضاف الموساد أنه "لسوء الحظ، فإن هذه المعلومات الاستخبارية عالية الجودة لم تمنع المفاجأة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي، ودفع ثمن هذه الحرب باهظاً بالدماء".


وتقابَل الرواية التي يسردها الموساد عن أشرف مروان وعمالته لإسرائيل بحالة من الصمت من قبل الجانب المصري، إلى جانب حالة من الغموض حول الرواية الحقيقة. وحتى الآن لا توجد مواقف رسمية مصرية تنفي تلك الاتهامات خلال العقدين الماضيين، باستثناء تصريح دافع فيه الرئيس الأسبق حسني مبارك عن مروان، ضد ما سمّته وسائل الإعلام حينها بـ"مزاعم إسرائيلية بأنه كان عميلاً للموساد".


ففي تصريح له عام 2007، بعد عودته من القمة الافريقية في غانا، نفى مبارك أن يكون مروان جاسوساً، قائلاً إن الأخير كان "رجلاً وطنياً، ولم يكن جاسوساً لأي طرف من الأطراف"، و"كان وطنياً مخلصاً لبلده ونفذ مهمات وطنية". وأضاف أن "الوقت لم يحن بعد للكشف عن أفعاله خلال الحرب"، وهي نفس العام التي لقى فيها مروان مصرعه.


ورأى  مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير معصوم مرزوق،  تصريح الرئيس" مبارك" تبرئة لساحة مروان.


وبحسب  مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي فإن غياب الرواية الرسمية المصرية في التعامل مع الاتهامات الإسرائيلية لمروان تعود، إلى اعتبارات الأمن القومي المصري، إذ يرى أن "من غير المناسب الكشف عن معلومات بهذه الحساسية".


لكن لم توقف شهادة مبارك سيل الأخبار التي نشرها الإعلام العبري عن دور صهر عبد الناصر ومدير مكتب السادات في تقديم "أحسن خدمات لإسرائيل"، بل أنّ الأمر تعدّى ذلك، إذ صدر كتاب للكاتب أوري جوزي عن تفاصيل تواصل مروان بالموساد عنوانه: "الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل"، والذي تحوّل لاحقًا إلى فيلم أنتجته منصة "نتفليكس".


من هو أشرف مروان:


وأشرف مروان، هو نجل اللواء أبو الوفا مروان، مدير سلاح الحرب الكيماوية، وقد عمل ضابطاً بالمعامل المركزية للقوات المسلحة حتى زواجه من ابنة الرئيس المصري جمال عبد الناصر لينتقل بعدها للعمل في رئاسة الجمهورية مساعداً لسامي شرف سكرتير الرئيس.م


وعقب وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر عمل سكرتيراً خاصاً للرئيس المصري الراحل أنور السادات، وعضو لجنة الإشراف على التطوير وصناعة الأسلحة، ثم مقرر اللجنة العليا للتسليح والتصنيع الحربي. ثم رئيس الهيئة العربية للتصنيع، ثم سفير مصر في لندن.


بعض مما ذكرته وثائق الموساد:


تضمنت الوثائق المفرج عنها من قبل الجانب الإسرائيلي صوراً وأدلة، نقلها لهم مروان، حيث أشارت الرواية الإسرائيلية إلى انخراط مروان في التعاون مع الموساد بدءاً من عام 1970، وظهرت أهميته في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، وتحديداً عشية اندلاع الحرب، إذ وجه التحذير الأخير لإسرائيل بشأن الحرب التي نشبت في اليوم التالي (6 أكتوبر).


وأفادت الوثائق في تقرير قدمه ضابط الموساد الإسرائيلي، ويدعى "دوبي"، والذي كان يدير العلاقة مع مروان ويتلقى منه المعلومات بدءاً من يناير/ كانون الثاني 1970 بُعيد "تجنيده للجهاز"، بأن "مروان هو الذي توجه للموساد وعرض خدماته على الجهاز".


وأوضح "دوبي" في تقريره، أن مروان كان حاضراً في جميع مؤتمرات القمم العربية التي عقدت في القاهرة وغيرها من العواصم العربية قبل الحرب، بل شارك بقوة في أغلب الاجتماعات التي عقدها رئيس الوزراء المصري في الأشهر السابقة للحرب (جمع السادات منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في مارس/آذار 1973)، وأنه "يحتفظ بعلاقات شخصية مع جهات من أبرز الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية".


وركزت التقارير في الوثائق على قدرات مروان العالية في الوصول إلى القيادة المصرية، والاطلاع على قراراتها واستعداداتها "لإرسال رسائل تحذير حول نوايا مصر لبدء حرب ضدنا".


وذكرت أن البريد الرسمي "الموجه للسادات" كان يمرّ كله عبر مكتب مروان "قبل أن يصل إلى للرئيس المصري الأسبق، وأن مروان كان مسؤولاً عن نقل تعليمات رئيس الجمهورية إلى جميع الأجهزة الحكومية"، وتوصيل جميع المعلومات وتقديرات الموقف، التي تجمعها كافة الأجهزة الاستخبارية إلى رئيس الجمهورية.


وتضمنت وثائق الموساد صوراً من الوثائق الأصلية التي قدمها مروان للموساد في مسعى لاستعراض درجة وصوله إلى المواد "ذات الأهمية الاستخباراتية العالية"، بما يشمل محاضر اجتماعات السادات مع القادة السوفييت، وتقريراً عن زيارة وزير الحربية المصري حينها، الفريق أول أحمد إسماعيل إلى دمشق، وتوثيقًا للقاء السادات بـ"اللجنة العليا للإعداد للمعركة" التي كان قد شكلها في ديسمبر/كانون الأول 1972.


كما كشف الموساد عبر وثيقتين استخباريتين مركزيتين عن معلومات وصفها بأنها "عالية الجودة"، الأولى هي وثيقة داخلية للموساد، كتبت في 5 أكتوبر 1973، وتوثق طلب مروان مقابلة رئيس الموساد تسفي زامير، بشكل عاجل، عشية الحرب.


ووفقاً للوثيقة، فقد اتصل مروان "مساء 4 أكتوبر هاتفياً... في المحادثة قال... سيصل غداً الجمعة، مساء 5 أكتوبر، لعقد لقاء سيقدم خلاله معلومات... ذات أهمية كبيرة... وسأل عما إذا كان من الممكن أن يشارك رامساد (اختصار لرئيس الموساد) في اللقاء، لأهمية الموضوع... ولمّح إلى أن المعلومات سيقدمها تخص... (هذا الجزء من الوثيقة لا يزال محظوراً) وهي بحوزته حول الإنذار الأخير بقيام الحرب".


وذكرت الوثيقة الثانية، والتي كانت عبارة عن بروتوكول والنص الكامل لمحضر الاجتماع بلندن في 5 أكتوبر 1973 بين زامير ومروان، والذي تم فيه التحذير من اندلاع الحرب قبل 16 ساعة من نشوبها، أن مروان أكد في البداية أن الحرب ستبدأ "في المساء"، لكنه عاد لاحقاً ليشير إلى الساعة 16:00 موعداً لاندلاع الحرب.


وتبين لاحقاً بحسب الوثيقة أن هذا التوقيت كان أكثر دقة، إذ إن الحرب اندلعت في حوالي الساعة الثانية من بعد الظهر، لكن الموساد لم ينقل هذه المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي، بل تمسك بمقولة مروان الأولى، "قبيل المساء".


حق الشعب في المعرفة


من جهته يرى الكاتب الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين، أن من حقّ كرامة مصر وسمعة مؤسساتها حسم جدلية أشرف مروان - بريئًا كان أم مدانًا - بالوثائق، وأن يعلم الرأي العام المصري والعربي حقيقة ما جرى، فهذا حقّ الشعب وحقّ الشهداء الذين قضوا في تلك الحرب وحقّ الأجيال المقبلة التي يتمّ التشويش عليها سنويًا، دون أن يدرك أحد خطورة ما تفعله إسرائيل.


والتزمت  أسرة مروان بالصمت خلال السنوات الأخيرة تجاه اتهامه بالعمالة للموساد، غير أن محامي مروان أمجد سلفتي نفى في تصريحات صحفية لوسائل إعلام محلية الشهر الماضي، هذه التهمة. وقال إن إسرائيل لم تقبل حتى الآن التعايش مع هزيمتها في حرب أكتوبر، لذا تحاول التشكيك في الرموز الوطنية المصرية عبر وثائق كاذبة، بحسب تعبيره.


وأضاف سلفتي أن مروان "لم يعمل أبداً لصالح الموساد، وكل المعلومات التي ذكرت إسرائيل أنه قدمها لها حول موعد الحرب كانت مضللة، وتعكس رغبته في خداعهم، وتجنيب مصر ضربة استباقية تجهض استعدادها للحرب". وأشار إلى أن "دواعي الأمن القومي المصري هي التي تبرر الطابع المحافظ للرواية المصرية حول مروان".


شُيّع جثمان مروان في الأول من يوليو 2007، بعد أيام من موته المفاجئ في لندن -بعد أن لقى مصرعه إثر سقوطه من شرفة منزله، وأحيط نعشه بعلم مصر، في حضور كبار رجال الدولة المصرية، منهم ابن الرئيس وأمين عام لجنة السياسات بالحزب الوطني، جمال مبارك، ورئيسا مجلسي الشعب والشورى فتحي سرور وصفوت الشريف. أمّا رئيس ديوان الرئاسة، زكريا عزمي، فاستقبل جثمان مروان لدى وصوله إلى مطار القاهرة قبل الجنازة.


في اليوم التالي، أطلقت الصحف وابلًا من المقالات عن «الرجل الغامض» و«الطفل المعجزة»، كمّا لُقب مروان من قبل، في إشارة إلى غموض علاقته مع إسرائيل ومصادر ثروته الهائلة، وإشارة إلى صعوده السريع في أروقة الحُكم في عمر مبكر. في المقابل أصرّت التغطية الصحفية المصرية لموته على وطنيته وترجيح كونه عميلًا مزدوجًا.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 3