أصبحت مهمة توحيد الجيش الليبي ودمج جميع الكتائب تحت قيادة واحدة، القضية الأكثر جدية وإثارة للجدل في ظل المساعي المستمرة لحل الأزمة الليبية، وسط محاولات المشير خليفة حفتر لفرض مرشح موالٍ.
ويمثل المجلس الرئاسي الجديد برئاسة محمد المنفي وعضو المجلس موسى الكوني وعبدالله اللافي القيادة العليا للجيش، ومع ذلك، فإن القرارات الصادرة عن هذه الهيئة لا يمكن اتخاذها إلا بالإجماع، على النحو المنصوص عليه في الاتفاق السياسي الذي تشرف عليه بعثة الأمم المتحدة.
هذه هي المرة الأولى منذ 2014 التي تتفق فيها مناطق ليبيا الثلاث (طرابلس وبرقة وفزان) على قائد أعلى، لكن اختيار القيادة الميدانية للجيش ما زال يمثل مشكلة شائكة، إذ كان الخلاف على قيادة الجيش، مشكلة حقيقية تواجه جهود التسوية قبل العملية العسكرية 2019 التي شنها حفتر على طرابلس، مستهزئاً بجهود الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، الذي زار العاصمة الليبية في ذلك الوقت استعداداً لعقد المؤتمر الدولي لتوقيع خارطة طريق بموافقة الأطراف المتحاربة، لكن عندما شن حفتر هجوماً مفاجئاً على طرابلس، ضاعت هذه الجهود، حيث وافق الرئيس السابق للمجلس الرئاسي فايز السراج من حيث المبدأ على تعيين حفتر قائداً للجيش قبل الهجوم على طرابلس، كما دعا إلى الحفاظ على عملية توحيد المؤسسات السيادية والامتناع عن فصل هذه العملية عن الحل السياسي الشامل المأمول، وهو ما رفضه حفتر بشكل قاطع.
اليوم، بعد فشل هجوم حفتر على طرابلس وبالرغم من نفوذه المتزايد في شرق ليبيا، من المحتمل ألا يترشح قائد القوات الشرقية لمنصب قائد الجيش، لكن هذا لا يعني انتهاء نفوذه وتدخله في خطط توحيد الجيش الليبي أو احتمال أن يعمل على عرقلة عملية اختيار قائد عسكري جديد.
في الواقع، هناك صراع ناشئ على حقيبة وزير الدفاع في الحكومة الليبية الجديدة، حيث تريد جميع الأطراف في الشرق والغرب تولي هذه الوزارة من أجل السيطرة على الجيش الليبي. ودفع ذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة إلى إدارة وزارة الدفاع بنفسه بشكل مؤقت، بانتظار اختيار الشخصية المناسبة للمنصب، وبالتشاور مع المجلس الرئاسي على النحو المنصوص عليه في الاتفاق السياسي، وفي الحقيقة، الوضع في شرق ليبيا مختلف، فمنذ 2014، ظل حفتر قائداً عاماً للجيش إلى جانب رئيس الأركان عبد الرزاق الناظوري ووزير الدفاع، فحكموا المنطقة الشرقية لنحو ثمانية أعوام، وهذا ما يجعل مهمة دمج القوات الموالية لحفتر في الجيش الليبي الموحد أمراً صعباً.
لكن عشائر برقة ببلدة الأبيار الشرقية، طالبت في اجتماع عقد منتصف آذار/مارس، السلطة التنفيذية الجديدة بتعيين الناصوري رئيساً لأركان الجيش الموحد، حيث يحظى الناصوري بدعم رئيس البرلمان عقيلة صالح، ويأمل أنه من خلال تشكيل تحالف مع صالح، سيؤمن دعم بعض أكبر القبائل في الشرق.
يحاول هذا التحالف العسكري السياسي تشكيل كتلة موازية لحفتر، خاصة في حال ترك حفتر المشهد السياسي إما بسبب المرض أو لعدم تعيينه في منصب قائد الجيش أو وزير الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية المشكلة حديثاً، ومن المرجح بتأثيرهم على القبائل في الشرق الممتدة حتى الحدود مع مصر أن يؤدي التحالف بين الناظوري وصالح إلى عزل حفتر سياسياً.
في هذه الحالة، إذا تم تعيين الناصوري رئيساً للأركان، فسيتم إعطاء وزارة الدفاع لشخص من غرب ليبيا، وخاصة من مصراتة نظراً لأن لديها أكبر قوة عسكرية في المنطقة الغربية، وهذا يعني أن حفتر لن يلعب أي دور رسمي في المرحلة الانتقالية.
فهل يؤدي غياب حفتر عن المشهد السياسي إلى تسريع عملية توحيد الجيش؟، وهل إصراره على تولي رئاسة المؤسسة العسكرية الموحدة سيجعل الأمور أكثر تعقيداً.؟