بوتين والحرب الهجينة: كل الطرق إلى أوكرانيا

إعداد - رؤى خضور

2021.02.12 - 06:16
Facebook Share
طباعة

 طالبَ رئيس الوزراء الأوكراني دنيس شميكال، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتوسيع دائرة العقوبات المفروضة على روسيا، والتي جاءت عقب ضم القرم إلى الاتحاد الروسي، والتي ردت الحكومة الروسية عليها بالمثل، ففرضت حظراً كاملاً على الواردات الغذائية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

لكن كيف دخلت هذه الأطراف حرباً باردة جديدة؟ 

جاءت نقطة التحول الحقيقية في شباط/فبراير 2014 عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، كانت هذه لحظة فاصلة في تاريخ القرن الحادي والعشرين إيذاناً ببزوغ فجر حقبة جديدة ومقلقة من المنافسة بين روسيا والغرب، ومنذ أن استولى الروس على شبه جزيرة القرم قبل سبع سنوات ، استمرت المواجهة في التوسع والتصعيد.

خلال هذه الفترة، اتخذ الهجوم الروسي عدة أشكال مختلفة، والمثال الأكثر وضوحاً هو الحرب غير المعلنة والمستمرة في شرق أوكرانيا، وقد نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضًا قوات روسية في أنحاء العالم، وحاول انقلاباً في البلقان، حتى في حربهم الإلكترونية وضع المتسللون الروس معايير جديدة ، مستهدفين كل شيء بدءاً من الأحزاب السياسية إلى البنية التحتية الأساسية، مع توجيه الدعم في كل فرصة سانحة إلى المتطرفين السياسيين والحركات الانفصالية في أنحاء الاتحاد الأوروبي وخارجه.

بالتأكيد ليست غاية روسيا هزيمة الغرب، فهي تدرك تماماً أنها غاية مستحيلة، بل الهدف هو تأمين موقفها من خلال تقويض الثقة بالمؤسسات الديمقراطية التي تسمح للعالم الغربي بالسيطرة العالمية وإضعاف هيبتها، ونظراً لعدم قدرة روسيا على التنافس في منافسة القوة الناعمة لكسب القلوب والعقول ، شرعت في جر المعارضة إلى مصلحتها الخاصة، وهذا يفسر سبب دعم روسيا للقوى المناهضة للمؤسسة من جميع المجالات في جميع أنحاء الغرب، بغض النظر عما إذا كانت تمثل أقصى اليسار أو أقصى اليمين من الطيف السياسي، فأي شيء يعمق الانقسامات القائمة داخل المجتمعات الغربية يُنظر إليه على أنه يصب في مصلحة روسيا، مثل نظريات مؤامرة COVID والأخبار الكاذبة حول فظائع المهاجرين.

ينظر الكرملين إلى الحرب الهجينة التي يشنها اليوم على أنها رد عقلاني تماما ودفاعي للتهديد الوجودي الذي يمثله العالم الديمقراطي ضد النموذج الاستبدادي الروسي، فالنهج الديمقراطي يقوض جنون العظمة الذي أصاب موسكو عقب الانهيار السوفييتي عام 1991 ، الذي حدث نتيجة الانتفاضات الديمقراطية الشعبية عبر أوروبا الوسطى التي احتلها الاتحاد السوفيتي، لذلك فإن الكرملين على استعداد لفعل أي شيء منعاً من تكرار هذه الكارثة، وهو مسكون بفكرة ما يسمى بـ "الثورة الملونة" التي تحدث داخل روسيا ذاتها، ذلك كله أدى مباشرة إلى التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في أعقاب ثورة الميدان الأوروبي المؤيدة للديمقراطية في البلاد في أوائل العام 2014.  

بعد سبع سنوات من تلك الأحداث المصيرية، ما زالت أوكرانيا في بؤرة المواجهة بين روسيا والغرب، تواصل موسكو السيطرة على شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا ولا تظهر أي علامات على أي استعداد للتراجع، بل على العكس من ذلك، فقد أنهى بوتين العام 2020 بالتعهد بتصعيد هجومه على أوكرانيا، وأعلن في 17 كانون الأول/ديسمبر عن خطط لتكثيف الدعم الروسي للجمهوريتين الانفصاليتين المزعومتين في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا قائلاً "روسيا ستستمر في دعم دونباس ، كما كان الحال، بل سنزيد دعمنا".

حتى الآن، تعترف موسكو رسمياً بالمناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا كأراضٍ أوكرانية وتلتزم بإعادة دمجها في أوكرانيا، لكن من الناحية الفعلية يبذل الكرملين كل الجهود الممكنة لمنع إعادة الدمج . 

منذ ربيع العام 2014 ، واجه الأوكرانيون وابلًا لا هوادة فيه من الدعاية الروسية التي تمدح الكرملين وتشيطن أوكرانيا، وفي العام 2019 ، بدأت موسكو بتوزيع جوازات السفر الروسية لسكان المناطق الأوكرانية التي تحتلها، اتبعت روسيا استراتيجية المواطنة المُسلَّحة هذه بغية تحويل شرق أوكرانيا المحتلة إلى محمية جوازات سفر وتمهيد الطريق للتدخل الروسي المفتوح، بالتالي حتى لو تمكنت أوكرانيا من استعادة سيطرتها الاسمية على المنطقة ، فإن العدد الهائل من حاملي جوازات السفر الروسية سيوفر لموسكو أعذاراً مقنعة للتدخل وحرمان أوكرانيا من السيادة الكاملة، ويبدو من خلال تعليقات بوتين الأخيرة فإن نيته هي الاستمرار في اتباع مثل هذه السياسات خلال العام الحالي.

لا شك أن رفض روسيا التنازل عن أوكرانيا مؤشر على التزام موسكو بمنع الديمقراطية من اكتساب موطئ قدم في معاقل الإمبراطورية الروسية التقليدية، وتذكير بأنه لا يوجد بلد أكثر أهمية لشعور روسيا بكينونتها من أوكرانيا، إذ يُنظر إلى أوكرانيا على أنها قريبة جداً من الناحية التاريخية والثقافية من روسيا لدرجة أن عديداً من الروس ما زالوا يجدون صعوبة في قبولها دولة منفصلة ومستقلة، لذا فإن تصورات التقارب غير القابل للتجزئة هي طريق ذو اتجاهين،  إذا نجحت الديمقراطية في أوكرانيا ، فستكون مسألة وقت فقط قبل أن يبدأ الشعب الروسي في المطالبة بوضع حد للبوتينية وبانتقال مماثل لأنفسهم.

هذا يجعل أوكرانيا المكان الأكثر منطقية للقتال ضد حرب روسيا الهجينة وأفضل فرصة لتحقيق نصر حاسم، خصوصاً أن أوكرانيا قد شهدت سابقاً ثورتين منفصلتين لتحقيق الديمقراطية في البلاد، حتى أصبحت الانتخابات الديمقراطية الآن سمة روتينية للثقافة السياسية الأوكرانية، لكنها أظهرت أنها خاصرة روسيا الأضعف والأكثر قبولاً للتدخل الغربي، الذي زاد الأمر تعقيداً عبر إعادة هندسة السلطة الجديدة في أوكرانيا بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات للشخصيات التصالحية.

مع بدء رئاسة جو بايدن في الولايات المتحدة، ومع اقتراب تنحي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قريباً، من المتوقع أن يكون العام الحالي عام التغيير وإعادة التفكير في أفضل طريقة للتعامل مع روسيا، فقد أثبتت السياسة الأخيرة المتمثلة في العقوبات المعتدلة والازدراء المعنوي أنها غير فعالة، وطرد بوتين من نادي دول مجموعة الثماني لن يثنيه عن هدف امبراطوريته.

من الواضح أن لا قوة يمكن أن تقف في وجه روسيا أو تخضعها لشروط لا تراها متكافئة، تماماً كما لاحظ تشرشل في العام 1946 "لا يوجد شيء يعجب الروس مثل القوة ، ولا شيء يحتقرونه أكثر من الضعف"، وعلى ما يبدو ما زال هذا صحيحاً اليوم كما كان قبل خمسة وسبعين عاماً، والمكان الذي تظهر فيه هذه الحقيقة هو أوكرانيا. 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 9