قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن رؤية شاملة للتحديات العالمية التي تواجه الولايات المتحدة في خطاب ألقاه يوم الخميس، وتطرق إلى الهجمات الروسية على الديمقراطية الأمريكية، وسجل الصين في مجال حقوق الإنسان، والانقلاب العسكري للجيش البورمي، لكن كان هناك إغفال واحد ملحوظ بعدم الإشارة إلى إيران.
مبعوث الرئيس الجديد إلى إيران، روبرت مالي ، يبني فريقاً له وجهات نظر مختلفة حول طهران ويتواصل مع المشرعين. وتحدث وزير الخارجية أنطوني بلينكين، إلى الحلفاء الأوروبيين يوم الجمعة ، بينما عقد مجلس الأمن القومي اجتماعاً رفيع المستوى لمناقشة تصعيد إيران لتخصيب اليورانيوم والخطوات التالية.
إن فورة النشاط الهادئ - إلى جانب ضبط بايدن للنفس - تؤكد التغيير الكبير في التكتيكات بين هذه الإدارة وإدارة سلفه دونالد ترامب بشأن القضايا الإقليمية الحساسة، لقد ولت التغريدات والتهديدات الاستفزازية والقرارات التي اتخذت بدون حلفاء وخارج العملية التداولية المشتركة بين الوكالات، وهو التناقض الذي أبرزته المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي يوم الجمعة حين كتبت على تويتر حول مناقشات اللجنة الرئيسية لمجلس الأمن القومي: "اجتماع اليوم هو دليل على أن العملية المشتركة بين الوكالات عادت إلى العمل بعد أربعة أعوام".
رسم خطوط المعركة
هناك اتفاق واسع على أنه على الرغم من الحملة التي شنها ترامب للضغط على إيران، إلا أنه فشل في مساعيه، فطهران واصلت نشاطها الإقليمي، وزادت العمل في برنامجها النووي.
الآن، يحاول فريق بايدن الجديد المعني بإيران التوصل إلى إجماع حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع العودة إلى الاتفاق النووي، ويبدو أنه بدأ رسم خطوط المعركة الدبلوماسية.
المعركة الأولى على الخطوة الأولى
كان بايدن قد قال -في خطابه عقب استلام منصبه- إن الولايات المتحدة ستنضم إلى الاتفاق النووي مرة أخرى بمجرد امتثال طهران للاتفاق بالكامل مرة أخرى، وردت إيران حينها بأنه بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في العام 2018 ، يتعين على واشنطن اتخاذ الخطوة الأولى بإلغاء العقوبات المشددة التي فرضها ترامب على إيران، وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إن بايدن يجب ألا يضيع الوقت في العودة إلى الاتفاق، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وقال في مقابلة مع كريستيان أمانبور "الاتفاق النووي ليس مفتوحاً، والولايات المتحدة لديها فرصة محدودة للعودة".
استخدمت إيران الملف النووي وسيلة رد على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، فأصدر البرلمان الإيراني تشريعًا في ٢ كانون الأول/ديسمبر يتطلب زيادات كبيرة في أنشطتها النووية على فترات منتظمة إذا لم تتم تلبية مطالب إيران بتخفيف العقوبات، وأعلنت طهران في كانون الثاني/يناير أنها استأنفت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20٪، وبثت إيران الأسبوع الفائت لقطات فيديو لما قالت إنه أقوى محرك صاروخي يستخدم نظاماً يمكنه إطلاق صواريخ بعيدة المدى قادرة على تهديد الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط.
من جانبه ، يراهن فريق بايدن على أن إيران تريد الصفقة أكثر مما تريدها الولايات المتحدة، ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الإدارة تفكر في إرسال إشارة أو بادرة حسن نية إلى إيران ، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إن "تركيز فريق بايدن الأول ينصبّ على المشاركة ومناقشات الشراكة مع حلفائنا وشركائنا وأعضاء الكونجرس".
وقال برايس إنه إذا عادت الولايات المتحدة للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة فستكون هذه مجرد بداية لاتفاقيات تالية متعلقة بالصواريخ الباليستية، ودعم الوكلاء.
في الوقت الذي يشير فيه بعض كبار المسؤولين إلى أن الصفقة ستستغرق وقتًا، يشير آخرون إلى الحاجة الملحة للمشاركة مع المخاوف المتزايدة من أن أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية جعلت إمكانية تجديد الاتفاق النووي شبه مستحيلة.
علاوة على ذلك، صرح وزير الخارجية بلينكين إن الولايات المتحدة "ما زالت بعيدة" عن التوصل إلى اتفاق مع إيران، كما صرح جيمس جيفري، رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون ، أن "التوصل إلى اتفاق سريع بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة لن يكون سهلاً كما يبدو، لأن الولايات المتحدة تريد مناقشة موضوع الصواريخ والأنشطة الإيرانية في المنطقة قبل الامتثال، وإيران لا تريد مناقشة هذه الأمور وقد أوضحت ذلك".
يعتقد جيفري أن إغفال بايدن لإيران يرجع إلى "بعض القلق من أنه إذا اعتقد الإيرانيون أننا نريد هذه الاتفاقية حقاً أكثر مما يريدون، فإنهم سيستخدمون القضايا غير النووية - بما في ذلك برنامجهم الصاروخي والأنشطة الإقليمية - للضغط على الولايات المتحدة، وإزالة العقوبات بسرعة كبيرة ستحرم بايدن من أفضل سلاح لدى الولايات المتحدة".
قال أليكس فاتانكا ، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، إن التحرك ذهابًا وإيابًا بين إيران والولايات المتحدة "يدور حول حفظ ماء الوجه، إيران تريد التفاوض والأميركيون يريدون التفاوض"، وقال إن الاقتصاد الإيراني الهش يوفر للولايات المتحدة بعض النفوذ. "يعرف الطرفان أنهما إذا بدأا مفاوضات بشأن الصواريخ الإيرانية ، فهناك قضايا شائكة ستستغرق شهوراً، إن لم يكن سنوات".
لا شك أن هذا الوضع شبيه بالوضع الذي تقع فيه أغلب الدول المصنفة كدول تعادي المصالح الأمريكية، ومازالت الأفعال المتخذة في الحرب الباردة الإيرانية الأمريكية دبلوماسية من قبل الطرفين في هذه المرحلة، لكن الأيام القادمة كفيلة أن تحمل إما التصعيد أو التوصل لاتفاق.