" حين يكون القدر المتهم".. أخطاء طبية مصيرها الموت

وكالة أنباء آسيا – نور ملحم

2021.01.14 - 09:17
Facebook Share
طباعة

 50 شكوى خلال 2020 ضمن تشريعات غائبة

لم تتوقع بسمة أن يكون مصير زوجها مصطفى ذو 52 عاماً، هو الموت، عندما طلب منها الدكتور " ر-أ" التوجه إلى مشفى دار الشفاء الخاص لإجراء عملية تركيب قسطرة لكليتيه.

تتحدث المرأة المفجوعة لـ"وكالة أنباء آسيا": طلب الطبيب مني مبلغ قدره 500 ألف ليرة سورية بحجة محاسبة المشفى دون أن يقوم بفتح إضبارة للمريض أو قطع وصل بقيمة المال فما كان مني إلا أن أقوم بدفع المبلغ مقابل أن راحة المرحوم من أنين الوجع، ليتم إدخاله إلى غرفة العمليات، وبعد الانتهاء من العملية طلب الطبيب مني إخراجه من المشفى بأسرع وقت دون أن يستيقظ من البنج.

تشرح بسمة ما حدث معها قائلة: طلبت منه أن يبقيه فترة من الزمن في المشفى لكي يستيقظ ولكن رفض، تكمل، ونحن في الطريق أصبح جرح زوجي المتوفى ينزف بشكل مخيف، حاولت الاتصال بالطبيب المذكور سابقاً ولكن دون جدوى لأنه أجاب بطريقة غير إنسانية واكتفى بطلب نقله إلى أي مشفى حكومي، تم استقباله بمشفى المواساة ليؤكد الأطباء وجود خطأ طبي نتج عنه ضرب الكليتين وتعطيلهما عن العمل.

المصير نفسه.

حالة مشابهة لمصيبة بسمة كان مصير والد عفراء، والتي تختصر كلامها بجملة توفي والدي فجأة، بسبب تركيب صمام لا يعمل لقلبه في مشفى الشامي الخاص.

تقول عفراء ذات الـ 35 عاماً لـ"آسيا"، المأساة التي حلّت على عائلتنا بشكل مفاجئ بسبب خطأ طبي من الطبيب الذي خرج إلينا بأعصاب باردة ليعلن وفاة والدي لعدم استجابة جسده للعملية.

والد عفراء في الستين من العمر، أُغمي عليه أثناء صعوده الدرج، تم إسعافه إلى المشفى لإجراء قسطرة ليتم أخبار العائلة أنه بحاجة لاستبدال الصمام، فأصرّت العائلة على إجراء العملية في مشفى خاص بدمشق، بحجة أنها متطورة أكثر والرقابة الصحية في العاصمة أكبر، باعت زوجته صيغتها لتغطية تكاليف العلاج، وتم نقل الرجل إلى مشفى الشامي الخاص بدمشق، وأجرى الأطباء له العملية وبعد أن أتم الأطباء العملية فوجئوا بنبض المريض يتباطأ منذرًا بخلل، واكتشفوا مشكلة في الصمام الذي تم تركيبه للتو، فهو لا يعمل بشكل صحيح “أخبرنا الأطباء أنهم حاولوا تصحيح الخطأ وتبديل الصمام على الفور لكن والدي توفّي بين أيديهم في هذه الأثناء، بحسب ما ذكرت عفراء .

أخطاء طبية تمارس بقصد.

النتيجة التي أصابت كلا الرجلين هي حالتين من بين مئات الحالات التي تحدث في سوريا، لتبقى وزارة الصحة والعدل في صمت لا يغفر له، إذ تعد الأخطاء الطبية من أكثر الظواهر التي تؤرق السوريين، وخاصة بعد تكرارها في ظل تقصير بعض المستشفيات والكوادر الطبية وغياب الرقابة من الجهات المسؤولة.

ويؤكد الدكتور فيصل كنعان في تصريح لـ"آسيا"، إن ظاهرة الأخطاء الطبية لم تعد مجرد ظاهرة عادية، بل أصبحت تمارس بشكل يومي دون رقيب أو حسيب ودون خوف من الله ولا وخشيه حتى صارت في تصاعد مستمر نتيجة للإهمال والعبث والتقصير في بعض المستشفيات مترافقة مع ثقافة الصمت السائد في التعامل مع الأخطاء الطبية وغياب الرقابة من الجهات المختصة وتحديداً من وزارة الصحة ونقابة الأطباء حتى باتت الأخطاء من الظواهر الخطيرة التي أصبحت كابوس يقض مضاجع المرضى.

ويضيف كنعان بالقول: الخطأ الطبي قد يحصل مع أي طبيب وهو نوعان، الأول خطأ في التشخيص وينتج عنه خطأ في العلاج، سواء كان العلاج جراحياً أو باستخدام الأدوية، والخطأ خارج عن إرادة الطبيب فغموض الأعراض لدى المريض وغموض الفحوصات أو تشابه الفحوصات والحالات مع بعضها البعض قد يقع فيها اكبر طبيب، و"الثاني هو الخطأ العلاجي إذا لم يكن هناك أي خطأ تشخيصي، وكان الخطأ في طريقة العلاج، هنا أتوقع من الخبرة في العمل انه قد يحصل تشخيص سليم، ولكن الخطأ في الإجراء العلاجي، وقد يخطئ الطبيب إما بالاستعجال في وصف الدواء أو بالاستعجال في القيام بإجراء العملية الجراحية.

لا إحصائيات دقيقة.

رغم غياب الإحصائيات الرسمية، فإن الأخطاء الطبية تتنوّع وتزداد من عام إلى آخر، إذ أكد مصدر من وزارة الصحة لـ"آسيا"، أنه تم تقديم حوالي 50 شكوى خلال عام 2020 حول أخطاء طبية أدت إلى موت أو إصابة المريض بأذية دائمة، وقد توزعت حالات الأخطاء الطبية في محافظات حلب اللاذقية ودرعا ودمشق وجميعها حدثت في مشافي خاصة، لافتاُ إلى أنه من النادر أن يصل التقرير يشرح سبب وفاة المريض إلى الوزارة.

وبحسب المصدر، فقد قامت وزارة الصحة توجه تعميم إلى مديريات الصحة في المناطق والمحافظات كافة بالإبلاغ الفوري عن الأحداث الجسيمة خلال 48 ساعة من وقوعها.

وبحسب التعميم -الذي اطلعت عليه "آسيا- فإن الأحداث الجسيمة المطلوب الإبلاغ عنها تشمل الأخطاء الطبية وحالات الوفاة غير المتوقعة، وحالات فقد عضو أو وظيفة، والحرائق، والانتحار، والاغتصاب، والأخطاء الدوائية، والجراحة الخاطئة، ونسيان أدوات طبية داخل المريض، ووفيات الأمهات.

نقص الأطباء أحد الأسباب

سنوات الحرب أثرت بشكل كبير على القطاع الصحي في سوريا، الذي يشهد انهياراً كبيراً، إذ تراجعت نسبة الأطباء، من طبيب واحد لكل 661 مواطناً، إلى طبيب واحد لكل 4041 مواطناً مما جعل مهنة الطب لدى بعض الأطباء تجارية فكل طبيب يتابع 100 مريض يومياً ويقوم بإجراء 5 عمليات كحد متوسط دون توقف بشكل يومي فالجشع والطمع وحب المال هو من تسبب في انحدار المستوى الطبي بحسب ما أشار به المحامي حيان ديب عضو بنقابة المحامين في دمشق لافتاً إلى عدم وجود قوانين رادعة ولا مساءلة وللأسف هناك أطباء قاموا بارتكاب أخطاء طبية كثيرة ولم تتم ملاحقتهم.

ويضيف ديب، هناك جهلا عند المرضى بحقوقهم وهذا يتضح عندما يذهب أي شخص لإجراء عملية يطلبون منه التوقيع على أربع أوراق، يقوم بتوقيعها دون أن يعرف ما المكتوب بها! هذه الأوراق فيها عبارات تقول إنه في حال حصول أي مضاعفات أو وفاة فالطبيب غير مسؤول رغم أن أي متضرر من خطأ طبي يمكنه التوجه إلى النيابة العامة لمساعدته رغم وجود الإشكاليات الكبيرة فيما يتعلق بالقوانين طالبنا أكثر من مرة بوجود تشريع عقابي خاص بالأطباء مبيناً وجود نظام واجبات الطبيب، وآداب المهنة تفرض عليه التزامات عدة تجاه مرضاه فقط.

مشيراً إلى أن أعقد المشاكل التي تظهر في دعاوى مساءلة الأطباء عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات، فالمريض عليه أن يثبت وقوع الخطأ الذي أحدث الضرر، مبيناً إلى أن معظم المتضررين أو ذويهم لا يقدمون على رفع دعاوى قضائية ضد من يعتبرونهم السبب في الخطأ الطبي، وذلك لأسباب عدة، منها ارتفاع تكلفة الخدمة القانونية، والتكهن المسبق بأن القضية خاسرة وخاصة بعد تأكيد خسارات أكثر من 700 دعوى خلال عام 2017، إضافة للصعوبة البالغة في إثبات الخطأ الطبي على الطبيب، أو على المشفى، أو من كان له سبب في هذا الخطأ؟.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 8