الأمن القومي لروسيا ما بعد فيروس كورونا

فادي صايغ - موسكو

2020.06.18 - 06:09
Facebook Share
طباعة

ربما أصبح وباء فيروس COVID-19 أكبر حالة طوارئ في روسيا وفي العالم على مدى عقود عديدة. إنَّ معظم المحللين يقولون أنَّه حتى بعد نهاية الوباء، فإنه سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في حياة الإنسان. باختصار، جوهر هذه التغييرات، يُختَصر بعبارة : "العالم لن يكون هو نفسه بعد الآن".

وقد تمَّ إطلاق مصطلح "الحالة الطبيعية الجديدة"، والذي كان يعني سابقاً حالة جديدة للاقتصاد بعد التغلب على الأزمة. والعلامات النموذجية لمثل هذه "الحالة الطبيعية الجديدة" هي تباطؤ ملحوظ في النمو الاقتصادي، وازدياد مستويات البطالة، وتفاقم مشاكل الديون على مستوى الأفراد والكيانات التجارية والأسر. كما تشير الآن "الحالة الطبيعية الجديدة" أيضاً إلى العواقب الاجتماعية والثقافية وحتى الأنثروبولوجية المحتملة لوباء الفيروس التاجي.
ومع ذلك، نود أن نركز هنا على ما ستعنيه آثار الوباء بالنسبة للاستقرار في العالم بشكل عام والأمن القومي لروسيا الاتحادية بشكل خاص. بالفعل، يقول العديد من الخبراء أنَّ الوباء سيضرب الاقتصاد العالمي، ويتوقعون حدوث ركود واسع النطاق في اقتصادات كل من روسيا والولايات المتحدة.
كما يقول العديد من المحللين إنَّ أزمة ما بعد الفيروس التاجي القادمة ستؤثر على الاقتصاد العالمي على الأقل، إن لم يكن أكثر من "الكساد الكبير" الشهير في منتصف القرن العشرين. ووفقاً للبنك الدولي، فإنَّ الركود في الاقتصاد العالمي في عام 2020 سيبلغ 5.2٪
تشير تجربة مثل هذه الأزمات العالمية مثل الكساد الكبير إلى أنَّ المشاكل الاقتصادية غالباً ما أدَّت إلى زيادة التوترات السياسية المحلية والأجنبية. علاوة على ذلك، غالباً ما تجبر الرغبة في إزالة التوتر السياسي المحلي بعض السياسيين على تغذية التوتر الدولي والصراع وحتى الحرب.
إذا نظرنا إلى الوضع حول وباء الفيروس التاجي، فسوف نرى تفاصيل غير مريحة: خلال ذروة الوباء، بدأ نقاش عام بين الولايات المتحدة والصين حول مسؤولية انتشار الفيروس التاجي.
بادئ ذي بدء، يتم باستمرار تسمية الفيروس التاجي بشكل متزايد في وسائل الإعلام الأمريكية باسم "الفيروس الصيني"، وهذا الاسم بالكاد محايد سياسياً. ومن الواضح تماماً أنَّه لا يتم استثمار المعنى الجغرافي فحسب، بل أيضاً المعنى السياسي في هذا الاسم مع التركيز على النمو اللاحق للتوتر بين الدول.
للمقارنة، نتذكر أن الإنفلونزا الشهيرة التي تسببت في وباء 1918-1919 كانت تسمى بالإسبانية لأن إسبانيا كانت أول من اعترف بوجود وباء، على عكس الدول الأخرى حيث حظرت الرقابة العسكرية منذ فترة طويلة أي ذكر لارتفاع مستويات الإصابة بالمرض . وهذا لايعني مطلقاً اتهام البلد الذي جاء منه الوباء بنشره. وهم بهذا المعنى يحاولون الاستثمار في مفهوم "الفيروس الصيني".

دعونا نلقي نظرة على سلسلة الحدث:
في 19 أبريل 2020، وفي مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يجب مساءلة الصين إذا اتضح فجأة أنها كانت تخفي بيانات عن فيروس كورونا. وفي الوقت نفسه، أضافت ديبورا بيرك، منسقة مكافحة الفيروس التاجي، أنَّ السلطات الأمريكية تعتقد أن الصين أخفت بيانات هامة تتعلق بالفيروس التاجي عن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.
في 20 مايو 2020، كرَّر ترامب أنَّ عدم كفاءة السلطات الصينية هو الذي أدى إلى عدد كبير من الوفيات.
في 24 مايو اتهم وزير الخارجية "وانغ يي" بعض السياسيين الأمريكيين بنشر الأكاذيب حول الصين. علاوة على ذلك، طالب بإجراء تحقيق شامل مع منظمة الصحة العالمية حول كيف ومنشأ هذا الفيروس التاجي.
ومع ذلك ، فإن الأمر لا يقتصر على الخطاب فقط. إذ أصبح موضوع "المسؤولية الصينية عن الفيروس" -بشكل غير متوقع- موضوع "تبادل المجاملات" على مستوى الولاية، ومناسبة للدعاوى القضائية. فهم يحاولون إثبات مسؤولية الصين عن "الفيروس التاجي" في المحكمة.

في أوائل أبريل من هذا العام، برزت دعوتين قضائيتين في هذا الخصوص:
حيث تم تقديم الأولى إلى محكمة مقاطعة تكساس من قبل مجموعة من المدعين من منظمات "فريدوم وتش" و "باز فوتوز" والمحامي "لاري كليمان" وبلغت قيمة المطالبة 20 تريليون دولار. وقد رفعت جميعها في وقت واحد أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ورفعت الدعوى الثانية إلى المنطقة الجنوبية لفلوريدا من قبل شركتي "بيرمن لو جروب" و "لوكاس كومبتون" وبلغت المطالبة بالدعوى ما قيمته 6 تريليون دولار.
بحلول نهاية أبريل، أصبح من المعروف أن بعض الولايات الأمريكية، بالإضافة إلى أستراليا، تعتزم مقاضاة الصين بتهمة إخفاء معلومات حول الفيروس.
في الواقع، يمكننا القول أن موضوع "المسؤولية عن الفيروس التاجي" أصبح أداة للنضال على السياسة الخارجية. وأنَّ الولايات المتحدة وحلفائها في طليعة استخدام مثل هذا النوع الجديد من الأسلحة.

ومن الواضح أن مثل هذه الادعاءات، هي شيء متناقض للغاية. فإذا اضطرت الصين إلى دفع المستحقات المالية المطلوبة منها، فهذا الأمر سيوجه ضربة خطيرة لاقتصادها. وإذا رفضت بكين الدفع، فستكون فرصة مناسبة لفرض عقوبات من نوع آخر، ولربما المواجهة العسكرية.
إنَّ إمكانية مقاضاة الصين كمذنب هي سابقة لظهور نوع جديد من النضال في الحروب الهجينة، والتي يمكن تسميتها بشروط "مسؤولية حالات الطوارئ". علاوة على ذلك، ومن حيث المبدأ، أي حالة طوارئ. الآن تم اختيار الجائحة على أنها حالة طوارئ. وهذا يسبب بعض القلق.
لا يمكن أن يصبح نشأة الفيروس التاجي الحديث سوى موضوع التحقيق الأكثر جدية. والآن تختلف التأويلات حول أصل الفيروس بشكل كبير، وذلك بدءاً من الأسباب الطبيعية إلى إمكانية تكوينه الاصطناعي. علاوة على ذلك، فإن فرضية نشأة الفيروس الاصطناعية ليست موضوعاً لمعالجي المؤامرة وحدهم.
وهكذا، في المستقبل القريب، قد نواجه سلسلة من حالات الطوارئ التي يمكن السيطرة عليها والمتعلقة بأسباب تبدو طبيعية مثل الوباء، والتي ستصبح أسباب تنفيذ سياسة العقوبات، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من المواجهة، - من "المواجهات الباردة" إلى "المواجهات الساخنة"- على الساحة الدولية.
بالنسبة للاتحاد الروسي، يمكن أن يشكل هذا الأمر خطر أن تكون في حالة ضحية "الضغط الوبائي". وفي هذا الصدد، من المهم جداً أن توجد على طول محيط بلدنا شبكة كاملة من المختبرات البيولوجية، والتي وبعبارة ملطفة، تكون أنشطتها غير شفافة وتسبب الكثير من الأسئلة والمخاوف. بادئ ذي بدء، نحن نتحدث عن ما يسمى بالمختبرات الحيوية لوغار في جورجيا وأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، هناك مثل هذه المختبرات في أرمينيا. من المهم أيضاً ملاحظة أن أوكرانيا مكتظة فعلياً بمثل هذه المختبرات: فهي تقع في أوديسا، فينيتسا، لفيف، كييف، خيرسون، وكذلك في المناطق المجاورة لجمهورية لوغانسك الشعبية وجمهورية القرم. علاوةً على ذلك، في كييف وأوديسا هناك ثلاثة مختبرات من هذا القبيل.
والأمر المقلق هو الذي يتم تداوله في وسائل الإعلام الأوكرانية حول التورط المزعوم لمختبر حيوي روسي معين في نوفوسيبيرسك في أصل وانتشار فيروس كورونا. وهنا نتذكر كيف أنَّ الموظف السابق في المديرية الرئيسية للجنة الأمن في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية يوري شفيتس، الذي فرَّ إلى الولايات المتحدة في عام 1990، عمَّم في وسائل الإعلام الأوكرانية مايتم تداوله في سبتمبر 2019، والمقصود هنا الإدعاء بحادث حصل في المختبر البيولوجي في نوفوسيبيرسك، سبب تسريب سلالة من الفيروسات التاجية التي تم تطويرها هناك. من الغريب أنه في اليوم التالي، ذكرت خدمة معلومات بي بي سي أن مختبر "فيكتور" كان واحداً من أكبر مخازن الفيروسات في العالم، بما في ذلك سلالات الجدري وأنفلونزا الطيور وأنواع مختلفة من التهاب الكبد. وفي مايو 2004، توفي عالم كان يعمل في مختبر "فيكتور" بعد وخز ذراعه اليسرى عن طريق الخطأ بمحقنة محملة بفيروس إيبولا.
في هذه الحالة، يجب أن تكون روسيا الاتحادية، ممثلة بهيئات الدولة، على استعداد للرد على هذا التحدي الجديد. وهذا يتطلب مجموعة التدابير التالية:
أولاً: المراقبة الملائمة للتهديدات الناشئة في مجال المعلومات.
ثانياً: المراقبة النشطة لإصدارات أصل الفيروس التاجي نفسها.
ثالثاً: من الضروري تطوير مجموعة إضافية من التدابير في مفهوم الأمن القومي لضمان أمن روسيا من هجمات الأسلحة البيولوجية والبكتريولوجية.

لدينا اليوم فرصة غير مسبوقة لمتابعة سياسة خارجية ذات سيادة وثابتة في عالم ما بعد الفيروس التاجي تلبي مصالح الأمن القومي للبلاد. من المهم للغاية ضمان إمكانية تأثير روسيا على تطوير العلاقات الدولية، والتي من ضمنها لا محالة أن يكون التعاون واسع النطاق مع الهياكل الدولية الرئيسية وجميع البلدان التي تشكل اليوم المعايير الأساسية لعالم المستقبل.

"رسلان تميربولاتوف" دكتوراه في العلوم الاقتصادية وخبير في مجال العلاقات الدولية في بلدان رابطة الدول المستقلة. ترأس الممثل المفوض لتتارستان في كازاخستان. وأشرف على الاتجاه الأبخازي في مكتب رئيس الاتحاد الروسي للتعاون الاجتماعي والاقتصادي مع الدول الأعضاء في رابطة الدول المستقلة ، جمهورية أبخازيا وجمهورية أوسيتيا الجنوبية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 6