لم تعد كل المقالات العاطفية والوطنية تجدي نفعاً ، فقد باتت القضية في جغرافيا جسد مواطننا ، في أمعائه التي تعلو أصواتها ، كما لو أنها في ساحة احتجاج ضد تجار ومحتكرين رفعوا الأسعار.
لا يهم إن كان اسم بلدنا يُكتب بتاء مربوطة أم ألف ممدودة سورية أم سوريا ففي كلتا الحالتين مواطننا تخدر ولم يعد يشعر سوى بطعم واحد " غلاء المعيشة" سورية بتائها المربوطة تشتكي هموم أبنائها ، وبألفها الممدودة تصل شكاوى ودعوات هؤلاء إلى السماء ، وكل ما عدا ذلك من عبارات طنانة تحاول رفع التفاؤل في العروق مجرد مضيعة للوقت حتى يقضي الله وقتاً كان مفعولاً او تصدر قرارات يُقال بأنها تستحق التقدير والاحترام.
يسيطر قانون سيزر الأمريكي ضد سورية على أحاديث السوريين، ترقب لدى المواطنين، وارتفاع متسارع للأسعار، فيما الباعة يتخبطون بسبب تغير الأسعار من قبل التجار والشركات كل عدة ساعات.
وزير الاقتصاد محمد سامر الخليل، قال إن الحكومة السورية درست آليات التعامل مع العقوبات الواردة في قانون سيزر وآثارها، بهدف التخفيف من حدتها، مبيناً ان من بين تلك الإجراءات تقديم التسهيلات الممكنة لقطاع الأعمال، بما يتيح تأمين الاحتياجات الضرورية، بالإضافة إلى استمرار العمل على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الصديقة لسورية، لتجاوز تبعات هذا القانون على جميع الأطراف.
ولم يغفل الخليل الحديث عن وجود مجموعة إجراءات وبرامج لتكريس شعار الاعتماد على الذات من خلال دعم الإنتاج المحلي وتحفيز وتنمية صادراته، وإيجاد بدائل عن المستوردات تدريجياً وتحفيز تمويل القطاعات ذات الأولوية ودعم وحماية المنتج المحلي.
ما قاله الوزير الخليل حول الاعتماد على الذات، سيعني وجوب اتخاذ قرارات تعطي تسهيلات خيالية للصناعيين والمزارعين، كذلك فإن إيجاد بدائل المستوردات خطوة صحيحة، لكن هل أحصت الحكومة تلك البدائل؟ وهل شكلت فريقاً يجمع وزارة الاقتصاد والمالية والزراعية والصناعة مع أعضاء في غرف الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين ؟
يُنقل شفهياً دون ذكر مصدر هذا الكلام توثيقياً بأن أحد المسؤولين الغربيين قال خلال فترة التسعينيات، انه لو استمر حصار سورية كما حصل في الثمانينيات لأصبحت سورية من الدول العظمى في المنطقة، في إشارة لاعتمادها على الذات وفق مبدأ الحاجة أم الاختراع، فهل تقف سورية الآن أمام ذات الفرصة بعد فرض العقوبات الأمريكية؟ هذا سؤال وحدها الحكومة من تستطيع الإجابة عليه ومن ثم إثباته فعلياً لا ورقياً.
فيما يخص النمط الاقتصادي السائد، يجب تغييره، في العام 2010 طرح عبد الله الدردري النائب الاقتصادي وقتها فكرة سوق الاقتصاد الاجتماعي، سورية لم تكن جاهزة لهذا النوع من الاقتصاد، لا سيما وأنها اعتادت الاقتصاد الاشتراكي لعقود، ثم بدأ التجار الكبار يتوغلون في السوق السوري ليتحول أكثرهم إلى محتكرين يستطعيون التحكم بالأسعار.
الخطوة الأولى للالتفاف على العقوبات وخلق واقع اقتصاد مرن هو تحويل شكل الاقتصاد، بالعودة إلى الاشتراكية، لكن اشتراكية لا تلغي التجاروالصناعيين وأصحاب الأعمال، تعطي ميزات كبيرة لهؤلاء الذين يلتزمون بالوقوف إلى جانب الدولة، وعقوبات وغرامات على هؤلاء الذي يستغلون الظروف، إعادة تفعيل القطاع الاقتصادي بمساعدة الحلفاء الصناعات الغذائية والدوائية والألبسة، بل وحتى السيارات والإطارات والمنظفات لم لا، إن كان الأصدقاء معنيون معنا كسوريين في عقوبات قيصر وفق بنود هذا القانون التي تشمل إيران وروسيا أيضاً.
تشجيع الفلاحين وشراء محاصيلهم ، الاعتماد على بيع الخضار والفواكه في مؤسسات حكومية بعد افتتاح أعداد كبيرة منها تغطي غالبية المناطق، إعادة تفعيل مصانع الأغذية والزيوت والمعلبات والعصائر والألبسة والقطنيات، لكن ليس من باب رفع العتب، بل ببضائع وسلع ذات جودة وحرفية تعطي المواطن خيارات جيدة، تشكيل إدارة او هيئة خاصة بالاختراعات والابتكارات، تتلقى طلبات ونماذج الإبداعات في كل المجالات وتشكيل لجنة يكون الإعلام رقيباً عليها، يقع على عاتقها دعم الأفكار الخلاقة في مجالات توليد الطاقة والأجهزة الصناعية والطبية والمعدات الزراعية، بل وحتى السيارات أو بدائل الوقود التقليدي.
السيطرة على قطاع العقارات، وعدم تركه للتجار والمكاتب العقارية، لأنها أيضاً تسهم في رفع الأسعار والأجارات لحدود خيالية، وكثيرون ممن لديهم أموال لم يعودوا يضعونها في البنوك السورية، كي لا يخسروا قيمتها بسبب الانخفاض المستمر لقيمة الليرة، بل يشترون بها عقارات، لأن سعرها يرتفع بشكل مستمر وعكسي مع انخفاض قيمة الليرة السورية، ولتكن البداية مع موظفي القطاع العام ممن لا يمتلكون منزلاً، وعلى الطريقة الاوروبية، كل من لديه دخل ثابت وبضمانة وظيفته ودخله، يستطيع أن يدفع دفعة أولى ميسرة للعقار، ويقوم بدفع أقساطه على مدى طويل، هذا سيحل أيضاً مشكلة السكن لدى الشريحة الأكبر من السوريين، مشكلتنا في تسليم المفاتيح الاقتصادية للبلد لعدد من التجار الذي زادوا ثرائهم أضعافاً بسبب الظروف، فلتعد الدولة وتسيطر على القطاعات الصناعية والزراعية والإنتاجية والعقارية، مع عدم إغلاق باب الاستثمار وإعطاء ميزات مغرية لرجال الأعمال والمستثمرين بما يشكل فائدة لهم وللمواطن والدولة بشكل عادل، لا أرباح للخزينة وأرباح للتجار فيما المواطن يظل مراوحاً في مكانه، ولن ننسى ضرورة المحاسبة للفاسدين والمحتكرين، بشكل فعلي وعلى أعلى المستويات.
التأقلم مع زمن الحرب والعقوبات القاسية هو فرصة لإعادة سورية كقوة صناعية وزراعية ومن يدري كبلد للبحث العلمي ومنتج للاختراعات أيضاً، فالشعب السوري شعب حي ولم يمت الإبداع فيه رغم كل المآسي ، لأنها ببساطة صقلته وجعلته أكثر نضجاً في معرفة ما يريد.