التدين و العلمانية بين السوريين في زمن الوباء

علي مخلوف _ خاص آسيا

2020.05.26 - 12:02
Facebook Share
طباعة

 
ضع حبة بركة تحت لسانك ثم تمتم أحد الأوراد الحافظة ولا تهتم لأي وباء أو مرض مهما كان، يقول رجل كهل في سوق البزورية بالحميدية ، هو جندي من جنود الله ونحن كأمة محمد لن يصيبنا كما أصاب غيرنا يردف آخر بكل ثقة وإيمان.
تجار وأصحاب محال تجارية في سوق الحميدية، تحدوا قرار الحظر الحكومي وفتوى الأوقاف بمنع الصلاة الجامعة درءاً للضرر والمفسدة، وقاموا بالصلاة جماعة داخل السوق التاريخي المسقوف.
انقسم السوريون بين ممتعض لما حصل، وغاضب من انتقاد هؤلاء بأداء صلاتهم جماعة، تحدثوا عن الفساد والفقر ولا تلاحقوا الناس في إيمانها قالها عدد من الناشطين على منشورات لصحفيين انتقدوا سلبية هؤلاء في عدم الالتزام بالوقاية والأخذ بالأسباب.
في أزمنة انتشار الأوبئة والفتن والملاحم، يعود كثيرون إلى الهوية الدينية، فالخوف من المجهول يجعل الإنسان يلتجأ إلى كل ما قد يريحه، ومن ضمن ذلك العقائد والماورائيات، سواءً أكانت تطابق العقل وتوافقه أم تخاصمه.
يقول أحد الناشطين: إن الإيمان يجب أن يكون مطابقاً للعقل، وبالتالي على الإنسان أن يتوكل لا أن يتواكل، فلا يجوز الاعتماد فقط على عبارة قدر الله وما شاء فعل، ولكن يجب الأخذ بالأسباب " اعقلها وتوكل".
بينما يرى آخر أن دول العالم تعتمد على العلماء في العقاقير والهندسة الوراثية والأطباء والأبحاث، فيما نحن لا زلنا نواجه الأوبئة بحبة البركة واليانسون، وبقراءة سورة او ورد أو دعاء للحفظ.
القرار الأخير للفريق الحكومي بإلغاء الحظر الليلي، أحدث جدلاً واسعاً، فالبعض أيده وآخرون تخوفوا، لكن الثابت من تتبع المزاج الشعبي العام، أن نسبة التدين والمؤمنين بالماورائيات، أكثر من هؤلاء الداعين لتكثيف البحث العلمي والأخذ بأسباب القوة بالتجربة.
يقول صحفي فضل عدم ذكر اسمه: انتقد مثلاً ظاهرة بناء المساجد التي تكلف مئات الملايين، فيما نسب البطالة والعنوسة والفقر ترتفع بوتيرة عالية، نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية، ستجد وابلاً من الردود المتشنجة التي تدعوك للتبرع لهؤلاء الفقراء والعاطلين عن العمل بدل التحدث عن أموال التبرعات لدور العبادة، قد يكتب أحد المفكرين منشوراً هاماً يحاكي قضية، لن تجد تفاعلاً مع منشوره بالمقارنة مع موعظة قد يدبجها رجل دين على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ستجد جميع الإمكانيات متوفرة إن كان الأمر متعلقاً بأمر ديني كمعاهد وبعثات ، لكنك ستجهد حقاً في تتبع أحد المخترعين وإيجاد جهة تتبناه وتدعمه، لقد بات التاريخ ثم المجهول في المستقبل هو ما يحكم عقول الكثيرين منا، عوضاً عن المحاولة في إيجاد البدائل لأنفسنا علمياً وبحثياً.
من جهته الطبيب ياسر قال: لم تعد تعنينا معارك التاريخ و ما يسمونها بالفتوحات، بقدر ما يعنينا تملك أسباب الحياة  والمستقبل، اعتماداً على الاستثمار في الموارد البشرية والبحث العلمي، لن ينقذك رجل دين من أي وباء، ولن يطرق باحث إسلامي ناقوس الخطر عن تطوير أحد الفايروسات لنفسه، ولن نستطيع مواجهة أي جائحة بسوق العطارة والبزورية، بل بمراكز البحث العلمي فقط وفق تعبيره.
في حين يعتقد البعض أن هناك مخاضاً فكرياً بدأ يظهر بقوة في الشارع السوري، بين المتمسكين بالهوية الدينية التقليدية المعتمدة على الإيمان بالروايات والصحاح والماورائيات، وتيار آخر يدعو لعلمانية ودولة مدنية، لا إنكاراً للدين ومعارضةً له، بل لفصله عن الدولة والمؤسسات، وجعل العلم والبحث والقانون ثالوثاً مقدساً لبناء دولة وفق ما يرى هؤلاء.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5