في وسط دمشق، وعلى امتداد إحدى شوارعها العتيقة، في منطقة الحجاز، تقف الطفلة رهام (12 عاماً) بين زحام السيارات لوحدها. تفشل مراراً في الحصول على نقود من من يقودون سيارتهم، لكنها تجني في نهاية كل يوم ما يسد رمقها كما قالت في حديثها لوكالة "آسيا".
الحكومة اتخذت مجموعة إجراءات احترازية لمواجهة فايروس كورونا (كوفيد 19) إلا أنّ أطفال الشوارع كانوا خارج حساباتها، حيث لم تعطهم أي اهتمام لا بعد كورونا ولا قبله. ليظلوا على حالهم، يفترشون الطرقات وينامون في العراء، لا منازل تأويهم للحجر.
ومشهد أطفال الشوارع يتكرر بشكل يومي في شوارع دمشق، إذ أنتجت الحرب الدائرة منذ 9 سنوات ألاف الأطفال المشردين بعد أن فقد معظمهم أهلهم والمأوى بفعل النزوح والتشرد، فأضحى الشارع مأواه الوحيد.
ومع ازدياد انتشار فيروس كورونا، تتصاعد المخاوف من المخاطر التي تتهدد أطفال الشوارع، الذين لا توجد احصائيات دقيقة لعددهم، مع احتمال تحولهم لبيئة خاضنة للفايروس نظراً للأوضاع الصحية السيئة التي يعيشونها يومياً.
كما غابت الخطط الحكومية الاحترازية للتعامل مع فئة مهمشة تعاني من مشكلات كبيرة، وهي أطفال الشوارع المشردين، والذين يقدر عددهم بالآلاف، ما قد يعرضهم للإصابة بالفيروس الذي أصبح وباءً عالمياً، وفق منظمة الصحة العالمية. هذا وقد بلغ عدد المصابين 58 منها 3 وفيات و36 حالة شفاء لغاية 17 الشهر الجاري و فق وزارة الصحة.
تقول رهام " أعيش في الشوارع والحدائق منذ 5 سنوات، فقدت أهلي بالحرب، ورفض أقاربي بقائي عندهم أتسول يومياً، ولدي عدة رفيقات نقتسم ما نجنيه باليوم كي نتدبر أمورنا".
وكانت رهام قبل انتشار وباء كورونا تلجأ للمساجد ومرافقها الصحية للاستحمام كما قالت خلال حديثها لوكالة "آسيا". لكنها اليوم أصبحت ورفيقاتها بفعل الإجراءات الاحترازية واغلاق المساجد بدون حمام. ما دفعها للجوء لأقاربها في بعض الأوقات رغم عدم سؤالهم واهتمامهم بها بحسب قولها.
كما أن رهام تفاجأت بقلة الناس والسيارات في الشوارع بعد تطبيق الحكومة لإجراءاتها الاحترازية، تقول " إن هذه الإجراءات جعلتها تنام أياماً بدون عشاء". وتضيف أن أحد المارة وهي تتسول أخبرها بإن هناك حظر تجوال بسبب وباء كورونا الذي لا تعلم رهام عنه أي شيء.
ليست رهام وحدها من تأثرت بفعل إجراءات الحكومة الاحترازية، بل هناك العديد من الأطفال المشردين في طول الشوارع وعرضها يبيعون العلكة والمحارم ويتسولون تحت أعين الجهات المنوط بها تأمين الحماية والحياة الكريمة لهؤلاء المشردين.
زيد (8 أعوام) لا يستوعب معنى الوباء ولا يكترث له، يرتدي ثياب متسخة، يشتري علبة من العلكة ويحاول بيعها عندي إشارات المرور منذ الصباح وحتى بداية فترة الحظر.
يقول زيد "بإن زوج أمه أخبره بإن عمله سيكون فقط في النهار". دون أن يدري لماذا. حيث كان ينام ورفاقه المتسولين في أحد أزقة شارع الثورة، واليوم يعود لمنزل زوج أمه كي يأويه.
وسجل مكتب مكافحة التسول والتشرد التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل 74 حالة تسول وتشرد في مختلف مناطق دمشق خلال الشهر الأول من هذا العام بحسب موقع الوزارة الالكتروني.
يؤكد د. جمال شاهين، أخصائي أمراض سارية ومزمنة، أن معظم الأطفال المشردين يعانون من أمراض ناجمة عن ضعف المناعة أو سوء التغذية أو أمراض مزمنة أخرى، وهو ما يزيد من مخاطر إصابتهم بفيروس كورونا.
ويشير شاهين إلى أن معظم الأطفال المشردين يعيشون في بيئات غير صحية، ولا تتوافر فيها مقومات النظافة الشخصية، كما أنهم يختلطون كثيرا مع غيرهم، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس وهذا ما يجعلهم بيئة خصبة لانتشاره.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، قالت إن "19 مليون طفل يعيشون مشردين داخل بلدانهم بسبب الصراعات والكوارث" في ظل جائحة كورونا.
وجاء ذلك في تقرير أعدته المنظمة الدولية بعنوان "ضائع في بلاده" الشهر الفائت، يتناول المخاطر والتحديات التي يواجهها الأطفال المشردون داخليا، والإجراءات العاجلة لحمايتهم، خاصة أنهم من بين أكثر الفئات تعرضا لآثار كورونا المباشرة وغير المباشرة.
خطر نفسي إضافي تشكله كورونا على نفسية هؤلاء الأطفال، ذلك نتيجة رفضهم المضاعف والنفور منهم من قبل المجتمع، على اعتبار أنهم دائمي الإتساخ، الأكثر عرضة للإصابة، تتحدث رهام مقهورةٍ عن خوف الناس منها وتجنبها وتجنب المرور بجانبها، قائلةٍ "من زمان العالم بتخاف منا، بس هلق صاروا يخافوا يمروا حتى من جنبا كانوا بقرفوا نلمس أديهم هلق بخافوا ".
ماذا ينتظر هؤلاء بعد جميع هذه المخاوف وأثارها عليهم وعلى المجتمع؟