بقطعة ورق مهملة ووعد تركيب متأخر يتحول الحصول على خط هاتف أرضي أو اشتراك إنترنت في ريف دمشق إلى رحلة بيروقراطية تكشف خللاً بنيوياً في إدارة قطاع الاتصالات وغياب ضمانات واضحة للمشتركين المعاملة المفترضة بسيطة تتحول إلى سلسلة مراجعات متكررة بين المقسم والمستخدم مع تفسيرات متناقضة حول أسباب التأخير تتراوح بين نقص المواد أو خلل فني وصولاً إلى مطالبة المشترك بتأمين كابلات على نفقته الشخصية وهي ما يعرف محلياً باسم "الجنابر".
الاشتراك غالباً يُدار لاحقاً عبر مزوّد خاص باسم "أمنية" من دون إبلاغ المشترك ما يفرض عليه دفع عمولات مرتفعة تصل إلى 25% عند شحن الباقة قبل أن تبدأ الخدمة بالعمل موظفو المقسم يقدمون بيانات الدخول على قصاصة ورق مكتوبة بخط اليد دون إيصال أو عقد رسمي في حين تؤكد وزارة الاتصالات أن توثيق كل عملية يتم عبر النظام الإلكتروني "CCBS" ومن خلال تطبيقات الدفع وأن تأمين المواد مسؤولية الشركة حصراً وليس على عاتق المشترك
زيارة معد التقرير لمقسم ضاحية قدسيا كشفت تناقضاً صارخاً بين ما يصفه الموظفون بـ"استثناءات فردية" وبين شهادات المراجعين الذين أكدوا عدم حصولهم على إيصالات أو أي مستند رسمي يثبت اشتراكهم بعض المشتركين اضطروا لشراء كابلاتهم بأنفسهم بينما تظل عمليات التركيب متوقفة حتى بعد توفير المواد هذا التباين يشير إلى ضعف التنسيق بين المقسم والمستوى المركزي للشركة السورية للاتصالات ويضع تساؤلات حول كفاءة الرقابة الداخلية.
المشكلة تتجاوز مجرد نقص المواد أو التأخير الإداري الإجراءات القانونية والتنظيمية واضحة في الإطار الرسمي حيث كل مزوّد خدمة خاص يجب أن يكون مرخصاً لدى الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد والعلاقة بين الشركة السورية للاتصالات والمزوّدين تُنظم بعقود واتفاقيات تحدد شروط استخدام البنية التحتية وحقوق وواجبات كل طرف ومعايير الجودة والأسعار لكن التجربة الميدانية تظهر فجوة بين النصوص القانونية وما يتم تطبيقه على الأرض.
مشكلات مثل الاشتراكات دون عقود وتسجيل المواطنين لدى مزوّدات خاصة من دون علمهم وعدم وجود إيصالات تكشف عدم قدرة المشترك على معرفة حقوقه والتحقق من الجهة التي يتعامل معها حتى ضمن خدمة مفترضة أنها منظمة هذه التجربة تحوّل أبسط خدمة عامة إلى اختبار يومي لكفاءة الإدارة وتعكس ضعف التواصل والرقابة وتضع مسؤولية حماية الحقوق في مواجهة اختلالات تنفيذية حقيقية.
وزارة الاتصالات تؤكد أن أي نشاط خارج الإطار القانوني يُعد غير قانوني ويخضع للمساءلة وأنه يمكن للمشتركين مراجعة الهيئة الناظمة للحصول على تفاصيل الترخيص وأسس عمل أي مزوّد خدمة لكنها تواجه تحديات عملية في فرض هذا الإطار خصوصاً في المقاسم التي تعاني ضغط عمل كبير ونقص موارد أحياناً ما يتيح للخلل الفردي أن يتحول إلى ممارسة شبه روتينية في بعض الحالات.
حين تصبح "قصاصة ورق مهملة" الرابط الوحيد بين المشترك وخدمة يفترض أنها منظمة فإن الخلل لا يقتصر على استثناء فردي وانما يشير إلى أزمة أعمق في تطبيق القوانين وضمان حقوق المواطنين هذه الفجوة بين الواقع الميداني والإطار القانوني تشكل اختباراً صعباً للشفافية وتطرح تساؤلات حول قدرة الدولة على ضبط الأداء ومحاسبة المخالفات وترجمة القوانين المكتوبة إلى ممارسة فعلية تحمي المواطنين من تكاليف وخسائر غير مبررة.