الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب اللبناني كانت اختبارًا عمليًا للقوى السياسية، حيث ارتبط انعقادها بمسألة النصاب، الأمر الذي حولها من مجرد موعد في روزنامة البرلمان إلى مواجهة سياسية داخلية معقدة تضع كل طرف أمام قدراته على التحكم في إيقاع المؤسسة التشريعية.
المعارضة بقيادة القوات اللبنانية وخلفاؤها حضروا الجلسة بعقلية مواجهة حاسمة، مستندين إلى ربط الحضور بملف قانون الانتخاب وضرورة إعادة ترتيب الأولويات التشريعية.
رئيس المجلس نبيه بري استغل هذه التحديات بإدارة الجلسة وفق قواعد العمل داخل القاعة مع التركيز على البنود الأساسية وتوقيت النقاشات، دون الانجراف إلى سجالات إعلامية موازية، وهو ما منح بري هامشًا واسعًا للتحكم في الإيقاع واحتواء الضغط المعنوي الذي حاولت المعارضة ممارسته.
على الرغم من استعداد المعارضة لتصعيد موقفها، واجهت عراقيل تتعلق بانقسام أعضائها وعدم التزامهم الكامل بالمقاطعة، حد من تأثير محاولاتهم على منع انعقاد الجلسة. النتيجة العملية أظهرت أن القدرة على استنزاف النصاب تعتمد على انسجام عددي وخطة متكاملة، وإلا يتحول الاعتراض إلى احتجاج رمزي دون تأثير فعلي على سير أعمال البرلمان.
الجلسة الأخيرة أبرزت أهمية فهم البنود المطروحة وأولويات التشريع، فالاعتراض على مواد حساسة مثل التمويل وإعادة الإعمار يمكن أن يضع المعارضة في مواجهة مباشرة مع مصالح المواطنين، قد يضعف من قوة خطابها.
يرى مراقبون أن التفاوت في الالتزام داخل المعارضة وفشلها في إدارة الضغط الداخلي أتاح لبري تحويل المقاطعة إلى ورقة رمزية وحصر تأثيرها في خانة الاعتراض الإعلامي.
تكتيك بري في إقفال محضر الجلسة قبل سقوط النصاب كان خطوة استراتيجية مزدوجة: أولًا لمنع استغلال الانسحاب كأداة لإسقاط التشريع، ثانيًا لإرسال رسالة واضحة للخصوم والحلفاء حول إدارة الاشتباكات داخل البرلمان هذا التوازن بين إدارة النصاب والتحكم في سير الجلسة أعاد تعريف قواعد الاشتباك السياسي وأكد قدرة بري على تثبيت إيقاع المجلس دون الحاجة للانجرار إلى مواجهة مفتوحة.
في المحصلة، لم تكن الجلسة انتصارًا كاملًا لبري على المعارضة، لكنها أظهرت أن المقاطعة وحدها لا تكفي لفرض الشروط دون خطة متكاملة وأن إدارة النصاب أصبحت أداة مركزية للسيطرة على الإيقاع التشريعي. بالنسبة للمعارضة، الدرس الأهم هو أن القوة الإعلامية والمعنوية تحتاج إلى دعم عددي وانضباط سياسي لضمان تأثير فعلي على التشريع، وإلا تتحول التحركات إلى احتجاج رمزي يترك المجال للخصم لتثبيت قواعد اللعبة.
الجلسة تركت أثرًا واضحًا على المشهد السياسي، إذ بينت محدودية أدوات المعارضة في غياب التنسيق.
ايضاً أكدت على قدرة رئيس المجلس على إدارة الاشتباكات الداخلية وتحويل التهديدات الرمزية إلى خيارات قابلة للاحتواء، ما يعيد رسم خريطة القوة داخل البرلمان ويضع الجميع أمام ضرورة مراجعة استراتيجياتهم لمراحل مقبلة.