شهد ريف دير الزور الشرقي تصعيداً أمنياً جديداً، عقب تنفيذ قوات سوريا الديمقراطية حملة اعتقالات واسعة في إحدى القرى التابعة لمدينة السوسة، في سياق تطورات بدأت بحادثة داخل مدرسة، قبل أن تتوسع لتشمل مداهمات واعتقالات طالت عدداً من المدنيين، بينهم أطفال، وأثارت حالة من التوتر في المنطقة.
وبحسب المعطيات المتوفرة، جاءت الحملة الأمنية عقب حادثة اعتداء تعرّض لها معلم في مدرسة بقرية موزان، إثر خلاف مع ذوي أحد الطلاب بعد تعرض الطالب للضرب داخل الصف. وتطورت الحادثة إلى هجوم على المعلم وإغلاق المدرسة، ما دفع عدداً من الأهالي إلى تقديم شكاوى رسمية ضد المشاركين في الاعتداء.
وعلى خلفية هذه الشكاوى، نفذت “قسد” مداهمات في القرية، أسفرت عن اعتقال عدد من الأشخاص المتهمين بالمشاركة في الهجوم، في خطوة قالت إنها تهدف إلى “فرض الأمن ومنع الفوضى”، غير أن الحملة رافقتها اتهامات بحدوث تجاوزات خلال عمليات التفتيش.
وشملت الاعتقالات عدداً من أبناء القرية، من بينهم بالغون وقاصرون، حيث أفادت المعلومات أن من بين الموقوفين طفلاً يبلغ من العمر 11 عاماً، إضافة إلى أطفال آخرين جرى توقيفهم بسبب الاشتباه بتورطهم في الحادثة. وأثار اعتقال القاصرين ردود فعل غاضبة بين الأهالي، الذين طالبوا بمعالجة الحادثة ضمن أطر تربوية وقانونية، بعيداً عن الحلول الأمنية المشددة.
ووفق روايات محلية، رافقت الحملة الأمنية عمليات كسر لأبواب منازل، ومصادرة هواتف محمولة، إضافة إلى تسجيل حالات سرقة مبالغ مالية، ما زاد من حالة الاحتقان في القرية، ودفع بعض الأهالي إلى التعبير عن مخاوفهم من تكرار هذه الممارسات في حوادث مشابهة.
ولم تكن هذه الحملة الأولى من نوعها خلال الفترة الأخيرة، إذ شهد ريف دير الزور الغربي، مطلع كانون الأول، حملة اعتقالات أخرى نفذتها “قسد” في بلدة الحصان، وأسفرت عن توقيف نحو عشرين شخصاً من أبناء البلدة، معظمهم من المدنيين، دون الإعلان عن أسباب واضحة للاعتقال في حينه.
وترافقت تلك الحملة أيضاً مع عمليات مداهمة للمنازل، وتكسير لبعض الممتلكات، ومنع الأهالي من معرفة مصير المعتقلين أو أماكن احتجازهم، ما أعاد إلى الواجهة ملف الاعتقالات العشوائية، وحدود العمل الأمني في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”.
وفي سياق متصل، نفذت “قسد” بالتنسيق مع قوات التحالف الدولي عملية أمنية أخرى في ريف دير الزور، ضمن إطار ما وصفته بملاحقة خلايا تنظيم “الدولة”. وقالت إن العملية أسفرت عن اعتقال شخص تصفه بـ”الأمير العسكري” للتنظيم، إلى جانب أفراد من خليته، وضبط أسلحة ومواد متفجرة كانت معدّة لاستخدامها في هجمات مستقبلية.
غير أن روايات محلية من بلدة حوائج بومصعة، حيث نُفذت العملية، قدّمت سردية مغايرة، إذ أكد ذوو عدد من المعتقلين أن الموقوفين مدنيون، ولا ينتمون إلى أي تنظيم مسلح. وأشاروا إلى أن المداهمة جرت ليلاً، بمشاركة طيران التحالف، واستمرت عدة ساعات، وانتهت باعتقال أربعة شبان.
ونفى الأهالي صحة الاتهامات الموجهة إلى أبنائهم، معتبرين أن الأسلحة التي جرى الإعلان عن ضبطها “زُرعت داخل المنازل” لتبرير الاعتقالات، وهو ما تنفيه “قسد”، التي تؤكد أن عملياتها تستند إلى معلومات استخبارية دقيقة، وأنها تستهدف فقط من تصفهم بالمتورطين في نشاطات تهدد الأمن.
ويعكس هذا التباين في الروايات فجوة متزايدة بين الخطاب الأمني الرسمي ووجهة نظر السكان المحليين، الذين يرون أن الحملات المتكررة، سواء على خلفيات أمنية أو حوادث اجتماعية، تزيد من حالة الاحتقان، وتضعف الثقة بالإجراءات المتبعة لمعالجة الأزمات.
ويرى مراقبون أن تحويل حادثة مدرسية إلى حملة اعتقالات واسعة يطرح تساؤلات حول آليات التعامل مع النزاعات المحلية، وحدود استخدام القوة الأمنية في قضايا ذات طابع اجتماعي وتربوي، في منطقة تعاني أصلاً من هشاشة أمنية وتوترات متراكمة.
وفي ظل استمرار هذه الحملات، تبقى دير الزور أمام مشهد معقد، تتداخل فيه الاعتبارات الأمنية مع القضايا الاجتماعية، وسط مطالب متزايدة من الأهالي بإيجاد حلول تضمن المحاسبة القانونية دون اللجوء إلى إجراءات جماعية، قد تزيد من تعقيد الوضع بدل احتوائه.