ما بعد 10 آذار… الاحتمالات المفتوحة

2025.12.17 - 06:34
Facebook Share
طباعة

 مع اقتراب انتهاء المهلة الزمنية المرتبطة باتفاق 10 آذار، يتصاعد الجدل السياسي والإعلامي حول مستقبل قوات سوريا الديمقراطية، في ظل تساؤلات متزايدة عمّا إذا كانت المنطقة تتجه نحو مواجهة عسكرية، أم نحو صيغة اندماج مؤجلة داخل مؤسسات الدولة السورية. وبين هذين الخيارين، تتشابك حسابات محلية وإقليمية ودولية تجعل من هذا الاستحقاق واحداً من أكثر الملفات تعقيداً في المشهد السوري الراهن.

في خضم هذا السياق، تؤكد قوات سوريا الديمقراطية استمرار الحوار مع دمشق، لكنها في الوقت ذاته تقرّ بعدم إحراز أي تقدم فعلي في التفاهمات السياسية والعسكرية. ورغم إعلانها الالتزام بمبدأ الاندماج ضمن إطار الدولة السورية، إلا أنها تربط هذا الاندماج بشروط أساسية، أبرزها الحفاظ على بنيتها التنظيمية ودورها القتالي، وهو ما يثير إشكالية جوهرية حول طبيعة هذا الاندماج وحدوده.

فبينما تتحدث الدولة السورية عن اندماج مؤسساتي كامل يخضع لمنطق السيادة المركزية، تطرح قسد نموذجاً أقرب إلى إعادة التموضع داخل الدولة مع الاحتفاظ بالقدرات العسكرية والهيكلية المستقلة. عملياً، يرى مراقبون أن هذا الطرح لا يمثل اندماجاً حقيقياً بقدر ما يسعى إلى شرعنة وضع قائم، وإعادة إنتاجه ضمن غطاء سياسي جديد.

ويعزز هذا الانطباع حجم المكاسب التي راكمتها قسد خلال السنوات الماضية، إذ تسيطر على مناطق غنية بالثروات النفطية والزراعية، إلى جانب إدارتها لمعابر وموارد محلية وفرت لها إمكانات مالية وعسكرية كبيرة. ويرى محللون أن الاندماج الكامل وفق الصيغة التي تطرحها دمشق يعني عملياً فقدان هذه الامتيازات، وتحويل الموارد إلى الخزينة المركزية، وإعادة هيكلة القوى العسكرية ضمن الجيش السوري، وهو ما تعتبره القيادات الفاعلة داخل قسد تهديداً مباشراً لنفوذها ودورها.

في المقابل، لا يغيب العامل التركي عن هذه المعادلة المعقدة. فأنقرة تتابع مسار المفاوضات بين دمشق وقسد بحذر شديد، خصوصاً في ظل استمرار اتصالاتها مع حزب العمال الكردستاني، والتي يُعتقد أنها قد تمتد لفترة طويلة دون نتائج حاسمة. ورغم أن تركيا تستبعد في المرحلة الحالية خيار التدخل البري الواسع، إلا أنها لا تخفي استعدادها لدعم أي مسار يحد من نفوذ قسد، سواء عبر أدوات سياسية أو عسكرية غير مباشرة، مع الحفاظ على هامش مناورة يجنّبها التورط في مواجهة مفتوحة.

أما الموقف الأميركي، فيبدو أكثر تعقيداً وتناقضاً. فمن جهة، تعلن واشنطن دعمها لمبدأ اندماج قسد ضمن الدولة السورية بما يحقق الاستقرار ووحدة الأراضي، ومن جهة أخرى، تواصل تخصيص موارد مالية وعسكرية ضمن موازنتها الدفاعية، شملت إدراج 130 مليون دولار لصالح قسد وجيش سوريا الحرة. ورغم أن جزءاً من هذه المخصصات يندرج ضمن ميزانية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، إلا أن استمرار هذا الدعم يمنح قسد هامشاً إضافياً للمناورة، ويضعف فعالية أي ضغط حاسم لدفعها نحو اندماج غير مشروط.

في هذا الإطار، جاءت حادثة تدمر الأخيرة، المتمثلة بهجوم نفذه عنصر من تنظيم الدولة واستهدف وفداً أميركياً، لتأخذ أبعاداً سياسية وإعلامية تتجاوز حجمها الميداني. فقد استُخدمت الحادثة لإعادة تفعيل سردية التهديد الداعشي، وللتأكيد على أهمية بقاء قسد كقوة عسكرية منظمة ومستقلة، ليس فقط لأمن مناطق سيطرتها، بل أيضاً لحماية المصالح الأميركية.

ويرى مراقبون أن هذا التوظيف الأمني لا يعني بالضرورة وقوف قسد خلف الحادثة، لكنه يكشف عن قدرتها على استثمار الوقائع الميدانية لتعزيز موقفها التفاوضي، وإقناع واشنطن بضرورة التريث في ممارسة الضغوط، بحجة أولوية محاربة الإرهاب.

حتى الآن، لا تشير المعطيات إلى اقتراب مواجهة عسكرية شاملة، فجميع الأطراف تدرك كلفة التصعيد، وتفضل إدارة الخلاف ضمن حدود يمكن التحكم بها. غير أن استمرار حالة الجمود، مقرونة بحوادث أمنية متفرقة، يفتح الباب أمام سيناريو “التصعيد المضبوط”، حيث يُستخدم الضغط العسكري المحدود كأداة لتحسين شروط التفاوض، لا كخيار للحسم النهائي.

في المحصلة، يبقى السؤال معلقاً: هل يتجه المشهد نحو اندماج فعلي يعيد ترتيب السلطة والسيادة، أم نحو إعادة إنتاج وضع استثنائي مؤجّل، مفتوح على احتمالات متعددة، بانتظار تبدل موازين القوى والقرار الدولي؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4