كيف خدعت شخصية وهمية كبار السياسيين اللبنانيين؟

2025.12.17 - 05:11
Facebook Share
طباعة

يكشف ملف خلدون عريمط وقضية الأمير السعودي الوهمي عن واحدة من أخطر حالات الاختراق السياسي في لبنان خلال السنوات الأخيرة ليس فقط بسبب حجم الأموال المتداولة أو عدد الشخصيات التي طاولها الاحتيال بل لأن القضية لامست جوهر القرار السياسي ومحاولات التأثير فيه عبر ادعاء غطاء إقليمي غير موجود.

القضية بدأت بتسويق شخصية وهمية قُدّمت على أنها أمير سعودي مقرّب من دوائر القرار العليا في المملكة يمتلك القدرة على فتح الأبواب السياسية والمالية وتأمين الدعم والترشيحات والتسويات هذا الادعاء لاقى قبولًا لدى شخصيات سياسية واقتصادية لبنانية كانت تبحث عن مظلة خارجية في مرحلة إقليمية حساسة ما سمح ببناء شبكة علاقات موازية خارج القنوات الدبلوماسية الرسمية.

آلية العمل اعتمدت على الغموض الكامل حيث لم يظهر الأمير المزعوم في أي لقاء مباشر واقتصر التواصل على اتصالات هاتفية ورسائل غير موثقة ترافقها وعود سياسية مؤجلة وتأكيد دائم بأن التوقيت لم يحن بعد هذا الأسلوب ساهم في إطالة أمد الخديعة وخلق انطباع بوجود مسار سري أعلى من السفارات والبعثات الرسمية.

مع الوقت تحولت الرواية إلى أداة ضغط وإقناع تحديداً داخل البيئة السنية حيث استُخدم اسم السعودية كعامل حاسم في توجيه المواقف وبناء الطموحات الأخطر أن هذه المزاعم لم تقتصر على وعود فردية وانما انسحبت على محطات سياسية مفصلية شملت انتخابات نيابية واستشارات دستورية ما يفتح الباب أمام شبهة التأثير على القرار السيادي من خلال انتحال صفة دولة شقيقة.

انكشاف القضية جاء نتيجة تراكم الشكوك وتقاطعات أمنية أبرزها سقوط عنصر السرية المحيط بالشخصية الوهمية وتبيّن أن من كان يجري الاتصالات ليس سوى شخص لبناني ينتحل الصفة بالتنسيق مع خلدون عريمط الاعترافات والتسجيلات التي ظهرت لاحقًا نقلت الملف من خانة الشائعات السياسية إلى مسار قضائي وأمني مفتوح.

سياسيًا أحدثت القضية إحراجًا واسعًا لعدد من القوى والشخصيات التي وجدت نفسها ضحية رواية مصطنعة كما أعادت تسليط الضوء على هشاشة آليات التحقق داخل الطبقة السياسية وسهولة اختراقها عبر وهم النفوذ الخارجي كما كشفت حجم الرهان الداخلي على الدعم الإقليمي حتى عندما يكون هذا الدعم خارج أي إطار رسمي أو موثوق.

أمنيًا وقضائيًا تتجاوز القضية حدود الاحتيال المالي لتلامس الأمن السياسي الوطني خاصة إذا ثبت أن هذه الشبكة أثرت على خيارات نواب أو مسارات دستورية عند هذه النقطة يصبح الملف مرتبطًا بمسألة السيادة وشرعية القرار لا بمجرد عملية نصب تقليدية.

في المحصلة تعرّي هذه القضية واقعًا سياسيًا هشًا يسمح لشخصية وهمية باختراق مستويات عليا من القرار مستفيدة من الانقسام الداخلي وغياب الثقة بالمؤسسات وما ستكشفه التحقيقات المقبلة سيحدد ما إذا كان ما جرى مجرد احتيال فردي واسع النطاق أم نموذجًا أخطر لمحاولات توجيه السياسة اللبنانية من بوابة الوهم. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 1