يضع التقرير الصادر عن مختبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل الصراع الدائر في السودان أمام مستوى بالغ الخطورة لا يتوقف عند نطاق العنف فهو يمتد إلى إدارة ما بعد الوقائع عبر طمس معالمها الميدانية فالقضية لم تعد مقتصرة على أعداد كبيرة من الضحايا في مدينة الفاشر وإنما على أسلوب التعامل مع الأحداث عقب السيطرة العسكرية بما يعيق الوصول إلى الحقيقة ويعقّد أي مسار لاحق للمحاسبة.
استند التقرير إلى صور الأقمار الاصطناعية في تتبع ما جرى داخل عاصمة ولاية شمال دارفور عقب دخول قوات الدعم السريع المدينة في تشرين الأول أكتوبر الماضي وبعد إحكام السيطرة على آخر مواقع الجيش في الإقليم وثق المختبر وجود مئة وخمسين أثراً تتوافق مع بقايا بشرية موزعة في أنحاء متفرقة من المدينة وهي نقاط انسجمت مع إفادات عن إعدامات وقتل مدنيين خلال محاولات الهروب.
وخلال مدة لم تتجاوز شهراً واحداً اختفى نحو ستين أثراً من تلك المواقع في وقت برزت فيه ثماني مناطق حفر جديدة بالقرب من أماكن القتل ولا تنسجم هذه الحفر مع أساليب الدفن المعتمدة مدنياً وفق التقرير وهو ما يدعم فرضية التخلص المنظم من الجثث لإزالة آثار الجرائم المرتكبة.
قدّر التقرير عدد الضحايا في مدينة الفاشر بعشرات الآلاف وهو رقم يعكس مستوى العنف المصاحب للسيطرة على المدينة ويتقاطع مع تقارير دولية سابقة تحدثت عن إعدامات خارج القضاء واعتداءات جنسية واحتجاز واسع للسكان المدنيين وسط انقطاع الاتصالات وصعوبة الوصول الميداني.
واجهت قوات الدعم السريع انتقادات دولية حادة بعد سيطرتها القسرية على المدينة خاصة مع تداول معلومات عن احتجاز عشرات الآلاف من الناجين داخل الفاشر في ظل غياب أي رقابة مستقلة ما جعل صور الأقمار الاصطناعية وسيلة مركزية لرصد ما جرى
ضمن هذا الإطار طالبت منظمات إنسانية والأمم المتحدة مراراً بالسماح بالوصول الآمن إلى المدينة غير أن هذه النداءات لم تترجم إلى خطوات عملية حتى الآن ما أبقى المدنيين المحاصرين من دون حماية أو إغاثة كافية.
مصادر لوسائل إعلام محلية أفادت بأن الوضع الإنساني في الفاشر يشهد تدهوراً متسارعاً مع استمرار الحصار وغياب الخدمات الأساسية فيما يبقى مصير آلاف المحتجزين غير معلوم.
التقرير يضع المجتمع الدولي أمام اختبار جدي يتعلق بمدى التعاطي مع الجرائم الواسعة في السودان خاصة أن إزالة الأدلة الميدانية تمثل عائقاً إضافياً أمام أي تحقيقات مستقبلية وتفتح المجال لتكرار هذا النموذج في مناطق أخرى إذا استمر غياب الردع والمساءلة.