جنوب لبنان بين الغارات والصمود المستمر

2025.12.16 - 10:11
Facebook Share
طباعة

 تحوّل جنوب لبنان وشرقه في الأشهر الأخيرة إلى مسرح شبه دائم للغارات الجوية الإسرائيلية، بدءًا من تلال الخردلي مرورًا بمرتفعات إقليم التفاح وصولًا إلى أطراف البقاع الغربي. وتستمر الضربات مع تطابق رواية الاحتلال، في مشهد يشير إلى تصعيد محسوب أكثر من كونه رد فعل على أحداث ميدانية مفاجئة.

الخوف لدى الأهالي لا ينبع من احتمال اندلاع حرب جديدة، بل من هاجس فقدان الأرض، التي تُعتبر أكثر من مجرد مساحة جغرافية، فهي ذاكرة وهوية جماعية متوارثة عبر الأجيال وعنوان صمود مستمر. على الرغم من الضغوط والخسائر، يصر السكان على البقاء والدفاع عن أراضيهم ومنع أي محاولة لفرض واقع جديد بالقوة.

القلق الأكبر لدى السكان يتعلق بفقدان الذكريات التي عاش عليها الآباء والأجداد، فالأرض بالنسبة لهم ليست مجرد مصدر رزق، بل امتداد لهويتهم وانتمائهم، ويُفضلون البقاء وعدم النزوح، حتى لو اقتضى الأمر أن يقضوا آخر يوم في حياتهم عليها.

في الوقت ذاته، يواصل الجيش الإسرائيلي تبرير غاراته باستهداف "مجمعات تدريب وتأهيل" تابعة لوحدة قوة الرضوان في حزب الله، مع تصاعد نبرة التهديدات الموجهة للحزب بشأن إعادة ترميم قدراته العسكرية. ويأتي هذا التصعيد قبيل اجتماع لجنة وقف الأعمال العدائية "الميكانيزم" المقرر الأسبوع المقبل، وسط شكوك حول قدرة اللجنة على كبح التصعيد أو منع انزلاقه نحو مواجهة أوسع.

تشير تسريبات إعلامية إلى أن الجيش الإسرائيلي أنهى خلال الأسابيع الماضية إعداد خطة لهجوم واسع على مواقع حزب الله، مع شرط تنفيذها بفشل الحكومة والجيش اللبنانيين في تفكيك سلاح الحزب قبل نهاية العام الجاري، ما يضع لبنان أمام ضغط أمني مستمر وموعد نهائي محدد.

وفي المقابل، يواصل الجيش اللبناني تنفيذ المرحلة الأولى من "خطة حصر السلاح بيد الدولة" في جنوب نهر الليطاني، على أن تُستكمل لاحقًا شمال الليطاني. وتؤكد الحكومة أن هذه الخطوة تأتي التزامًا بالقرارات الدولية ومسعى لتجنب مواجهة عسكرية شاملة.

حصر السلاح في جنوب الليطاني سيتم قبل نهاية العام، مع استكماله في بقية المناطق اللبنانية خلال السنة المقبلة، رغم تحديات سياسية وأمنية معقدة بسبب رفض حزب الله وربط أي نقاش بسلاحه بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة.

تلقت بيروت تحذيرات من جهات عربية ودولية بشأن استعداد إسرائيل لشن عملية عسكرية واسعة، مؤكدًا تكثيف الاتصالات الدبلوماسية لتحييد لبنان ومرافقه الحيوية عن أي ضربة محتملة. وأوضحت الحكومة أن اجتماعات لجنة "الميكانيزم" تهدف لإعادة تفعيل اتفاقية الهدنة وليس الدخول في مفاوضات مباشرة مع تل أبيب.

وبين الخطط العسكرية الإسرائيلية الجاهزة والضغط الدولي والمسار الداخلي لحصر السلاح، يبقى السؤال الأبرز عن كيفية عيش أهالي جنوب لبنان تحت تهديد الاحتلال وبين انتشار الجيش اللبناني واحتمالات التصعيد المفتوحة.

العائدون إلى القرى الحدودية يواجهون عقبات يومية، أبرزها الخطر الدائم على حياتهم بسبب احتمال استهداف الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى الدمار المستمر في عشرات القرى حيث تظل الخدمات الأساسية مقطوعة مثل المياه والكهرباء والطرق.

في جنوب ميس الجبل، يرى السكان أن التهديدات الإسرائيلية مستمرة وقد تنجح أو تفشل، إلا أن الاشتباك على الأرض يجعل الوضع أكثر تعقيدًا وصعوبة. وأضافوا أن خيار التفاوض حاضر دائمًا، مستبعدين الحرب الشاملة، ومؤكدين أن "لبنان ممنوع أن يُهزم"، مستندين في موقفهم إلى الرمزية الدينية والسياسية للبنان ومكانته التاريخية.

من جانبهم، يعيش السكان حالة من القلق المستمر، لكنهم يصرون على البقاء في منازلهم وأراضيهم. وأوضحوا أن الأسرة تلتزم البيوت طالما بقي الخطر بعيدًا، لكنها تنتقل مؤقتًا إلى مناطق قريبة من قوات الطوارئ الدولية عند اقتراب التهديدات.

وأكدوا أن هاجس الحرب لا يقتصر على الخطر الآني، بل يمتد لاحتمال تكرار الخسائر، معربين عن خشيتهم من فقدان ما تبقى من "شقاء العمر"، في مشهد يعكس استنزافًا نفسيًا واجتماعيًا مستمرًا بين سكان جنوب لبنان.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 6