باريس وبيروت: مفترق خيارات أمنية

2025.12.16 - 09:34
Facebook Share
طباعة

 تشهد الساحة اللبنانية حراكاً سياسياً وأمنياً مكثفاً يتقاطع مع تطورات إقليمية ودولية متسارعة، في ظل اقتراب سلسلة من الزيارات والاجتماعات المرتبطة بالوضع على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل. وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى الزيارة المرتقبة للمبعوث الأميركي توم براك إلى إسرائيل، بالتزامن مع زيارة رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي إلى بيروت، واجتماعات منتظرة في باريس بمشاركة أميركية وسعودية، وصولاً إلى اللقاء المقرر نهاية الشهر الجاري بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

هذا الحراك يأتي وسط تسريبات متزايدة في الإعلام الإسرائيلي تتحدث عن ضغوط أميركية تهدف إلى منع تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد لبنان، ما فتح باب التساؤلات في بيروت حول ما إذا كانت واشنطن قد منحت لبنان مهلة إضافية تمتد حتى نهاية آذار المقبل، لإنجاز المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح جنوب نهر الليطاني.

بالتوازي، يبرز اهتمام واسع بنتائج اللقاء الثلاثي الأميركي–الفرنسي–السعودي المرتقب في باريس مع قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، خصوصاً لجهة انعكاس مخرجاته على التحضير لمؤتمر دعم الجيش اللبناني. ووفق معطيات متداولة، من المتوقع أن يعرض هيكل خلال الاجتماع تفاصيل المهمات التي نفذها الجيش في مختلف المناطق اللبنانية، وليس فقط في الجنوب، بما يشمل العمليات المنفذة على الحدود مع سوريا، ولا سيما في ملف مكافحة التهريب.


الجيش تحت المجهر
المستجد الأبرز يتمثل في طبيعة المقاربة الأميركية تجاه الجيش اللبناني، في ظل استمرار الضغوط الإسرائيلية الرامية إلى إدخال تغييرات جوهرية في بنية الجيش، سواء على مستوى القيادات أو العقيدة القتالية. وتشير المعطيات إلى أن هذه الضغوط لم تقتصر على البعد السياسي، بل امتدت إلى مطالب ميدانية، أبرزها الدفع باتجاه قيام الجيش بدخول المنازل وتفتيشها، وهو ما كان يرفضه سابقاً.

وتبرز أحداث بلدة يانوح، التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي، كنموذج عملي لاختبار مدى التزام الجيش اللبناني بتنفيذ ما يُطلب منه. فقد جاءت هذه التطورات بعد قرار لبنان رفع مستوى تمثيله في لجنة “الميكانيزم”، وهي خطوة لقيت ترحيباً أميركياً في ظل غياب معارضة دولية جدية.

وفي حين تعهد الجانب الأميركي بالعمل على منع إسرائيل من توسيع هجماتها، شدد في الوقت نفسه على أن الانتقال إلى مسار سياسي تفاوضي لا يجب أن يعيق أداء الجيش لمهمته الأساسية. اللافت أن الموقف الأميركي شهد تحوّلاً ملحوظاً، تمثل في إبداء تفهم أكبر للصعوبات التي يواجهها الجيش، وهو ما عبّر عنه كل من المبعوث الأميركي توم براك والسفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى، اللذين تحدثا عن ضرورة منح الجيش مهلة إضافية لإنجاز المرحلة الأولى من مهمته.

هذا الطرح نُقل مباشرة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تساءل بدوره عن غياب أي ضغط أميركي موازٍ على إسرائيل، سواء لجهة الانسحاب من النقاط المحتلة أو إطلاق سراح الأسرى. إلا أن الرد الأميركي ركز على أن الأولوية الحالية تتمثل في وقف الحملة السياسية والإعلامية ضد الجيش اللبناني، مع الدعوة إلى العمل على “استعادة الثقة” به.


«آلية التحقق»
وفق المقاربة الأميركية، تبدأ استعادة الثقة من خلال استمرار الجيش في تنفيذ خطة نزع السلاح جنوب الليطاني، ومنع انتقال السلاح بين المناطق، إضافة إلى القبول بآلية عمل جديدة أُطلق عليها اسم “آلية التحقق”. وقد كشف رئيس الجمهورية جوزيف عون أن هذه الآلية تقوم على تولي الجيش مهمة التحقق من أي مزاعم إسرائيلية تتعلق بوجود أسلحة في منشآت مدنية أو منازل.

وفي هذا السياق، شكّلت حادثة يانوح اختباراً عملياً لهذه الآلية، إذ طلبت لجنة “الميكانيزم” من الجيش التحقق من منزل محدد. وبعد تأكيد عدم وجود أسلحة، صعّد الجانب الإسرائيلي مهدداً بقصف المنزل، قبل أن يُطلب من الجيش تنفيذ عمليات تحقق أوسع، ما أدى في النهاية إلى إلغاء قرار القصف.

وتشير قراءات متابعة إلى أن هذه الآلية قد تتحول إلى أداة ضغط إضافية على الجيش، من خلال دفعه إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع الأهالي، في ظل ضعف دور الدولة في ملف إعادة الإعمار، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات داخلية.


جولة هيكل الجنوبية
في هذا الإطار، نظم قائد الجيش جولة ميدانية جنوبية ضمت سفراء دول معتمدين في لبنان وملحقين عسكريين، حيث قدم عرضاً مفصلاً بالخرائط والصور لمراحل تنفيذ خطة حصر السلاح جنوب الليطاني. ورد هيكل على أسئلة تتعلق بالعقبات الميدانية، مؤكداً أن العائق الأساسي يتمثل في استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وخرقها المتكرر لاتفاق وقف إطلاق النار.

كما دعا السفراء إلى نقل حقيقة ما يجري إلى حكوماتهم، والضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها والانسحاب من النقاط المحتلة. وشملت الجولة زيارة مركز الجيش في لحلح قرب علما الشعب، والاطلاع على موقع الاحتلال المستحدث في اللبونة، إضافة إلى تفقد إحدى المنشآت التي تسلمها الجيش ضمن خطة حصر السلاح في وادي زبقين.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 3