هجوم سيدني: إرهاب للتغطية على الإبادة

بقلم: خضر عواركة

2025.12.14 - 05:05
Facebook Share
طباعة

 الهجوم الذي شهدته سيدني لا يمكن قراءته بوصفه حادثًا أمنيًا معزولًا أو فعلًا عبثيًا بلا سياق. بل هو، سياسيًا وإعلاميًا، حدث يخدم شخصًا واحدًا أكثر مما يخدم أي قضية: بنيامين نتنياهو. وفي المقابل، يوجّه ضربة مباشرة لليهود الذين يقفون ضد جرائم الحرب، وضد حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، سواء داخلها أو في الشتات.

منذ اندلاع الحرب على غزة، خرجت في سيدني – كما في مدن غربية أخرى – تظاهرات واسعة ضد نتنياهو وحكومته. ما يُتعمّد تجاهله في كثير من التغطيات أن العمود الفقري لهذه التظاهرات هو يهود أستراليون: أكاديميون، طلاب، ناشطون يساريون، وحركات يهودية أخلاقية ترى أن ما ترتكبه الحكومة الإسرائيلية لا يمثلهم، لا دينيًا ولا أخلاقيًا ولا إنسانيًا. هؤلاء كانوا، حتى الأمس القريب، يكسرون السردية التي يروّج لها نتنياهو: أن “كل يهود العالم خلفه”.

هنا تحديدًا تأتي خطورة الهجوم. فهو ينقل النقاش من نقد حكومة متهمة بجرائم حرب إلى نقاش أمني–هوياتي، ويعيد خلط الأوراق على الطريقة التي يتقنها نتنياهو منذ عقود: تحويل نفسه من متهم إلى “ضحية”، ومن حكومة معزولة دوليًا إلى “درع يحمي اليهود في كل مكان”.

الهجوم – بغض النظر عن منفذيه المباشرين – يصبّ موضوعيًا في خانة إرهاب سني متطرف بالمعنى السياسي لا المذهبي، أي ذلك النمط من العنف الأعمى الذي لا يحمل مشروعًا تحرريًا ولا قضية عادلة، بل يُستخدم كذخيرة مجانية بيد اليمين المتطرف. وهو بالضبط النوع من “الأعداء” الذي يحتاجه نتنياهو ليقول: “انظروا، نحن في حرب وجودية، ومن يعارضنا يعرّض اليهود للخطر”.

والنتيجة المباشرة؟
أولًا، تجريم الأصوات اليهودية المعارضة لنتنياهو في سيدني، عبر وضعها – ظلمًا – في دائرة الاشتباه أو الضغط الأخلاقي.
ثانيًا، تعزيز خطاب اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي لا يعيش سياسيًا إلا على الخوف.
ثالثًا، إضعاف التضامن العالمي مع ضحايا غزة، عبر تحويل الأنظار من القصف والحصار والقتل اليومي إلى “أمن الجاليات”.

أما الحديث عن “ضحايا الهجوم”، فهو لا يكتمل إن لم يُقل بوضوح: ليس الضحايا فقط من سقطوا في العملية، بل أيضًا اليهود الأستراليون الذين ناضلوا ضد الحرب وضد نتنياهو، وخسروا فجأة مساحة أخلاقية كانوا قد انتزعوها بشق الأنفس. والفلسطينيون في غزة، لأن كل رصاصة عبثية خارج فلسطين تُستخدم ذريعة لمزيد من القتل داخلها. وحتى المجتمع الأسترالي نفسه، الذي يُدفع قسرًا إلى استقطاب حاد يخدم أجندات خارجية.

بهذا المعنى، يمكن القول بوضوح ومن دون مواربة: الهجوم يخدم نتنياهو شخصيًا، ويمنحه ما كان ينقصه: عدوًا خارجيًا يعيد توحيد الصفوف حوله، ويشوّش على محاكمته السياسية والأخلاقية.

إن أخطر ما في الإرهاب – أيًا كان لونه أو شعاره – أنه لا يقتل الأبرياء فقط، بل يقتل الحقيقة. والحقيقة هنا واضحة: معركة العدالة لا تُخاض بالعنف الأعمى، بل بكشف المجرمين، ومنعهم من الاحتماء بدماء الضحايا، في سيدني كما في غزة

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 10