كشفت صحيفة غارديان البريطانية عن أبعاد إستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، والتي أثارت صدمة واسعة لدى الحلفاء الأوروبيين بسبب مضامينها اللغوية الحادة والنهج غير المسبوق في التعامل مع أوروبا. وتركز الوثيقة على الهجرة باعتبارها تهديدًا وجوديًا للحضارة الغربية، ما يعكس تحولًا كبيرًا في النظرة الأميركية تجاه القارة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
الهجرة كمحور للصراع الجديد
الكاتب أندرو روث في تحليله أكد أن الإستراتيجية الجديدة صاغها بشكل رئيسي مايكل أنتون، أحد منظري تيار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (ماغا)، وتصور أن الهجرة إلى أوروبا قد تؤدي إلى ما وصفته الوثيقة بـ"محو حضاري". هذا التحليل يعكس إعادة تعريف الأولويات الأميركية، بعيدًا عن الشراكة التقليدية مع الاتحاد الأوروبي، وتحويل التركيز من المنافسة الجيوسياسية إلى ما يعتبره المسؤولون الأميركيون الخطر الأكبر على الغرب.
وفي هذا السياق، كتب كريستوفر لانداو، نائب وزير الخارجية الأميركي المكلف بالترويج لأهداف الإدارة في ملف الهجرة:
"إما أن تكون الدول الأوروبية الكبرى شركاء لنا في حماية الحضارة الغربية، أو لا تكون. لا يمكن التظاهر بالشراكة بينما تسمح تلك الدول لبيروقراطية بروكسل غير المنتخبة بانتهاج سياسات انتحار حضاري."
طلاق سياسي عبر الأطلسي
يعتبر التحليل أن الوثيقة تمثل قطيعة مع عقود من الإجماع الأميركي الذي اعتبر أوروبا شريكًا أساسيًا في مواجهة القوى الكبرى، مثل روسيا والصين. ويلاحظ النقاد تحول التركيز من التهديدات الجيوسياسية التقليدية إلى الهجرة، وهو ما دفع قادة أوروبيين إلى وصف العلاقة مع واشنطن بأنها تدخل مرحلة "طلاق سياسي".
وأكد ماكس بيرغمان، مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن الوضع يشبه الطلاق، حيث تبحث الدول الأوروبية عن إشارات بأن الولايات المتحدة ما تزال ملتزمة بالعلاقات، لكن الوثيقة تعكس شعورًا رسميًا بنهاية هذه الشراكة.
حدس ترامب وخطابه الأيديولوجي
يبرز في الوثيقة تأثير حدس الرئيس ترامب السياسي وخطابه الرافض للتعددية الثقافية، وهو ما تجلى في تصريحات لاحقة هاجم فيها سياسات الهجرة الأوروبية. ويشير روث إلى أن الوثيقة أقرب إلى بيان أيديولوجي صاغه مستشاروه لمنح إطار فكري لغرائز الرئيس، أكثر من كونها خطة تنفيذية دقيقة.
ورغم الشكوك حول قدرة الوثيقة على توجيه السياسات الفعلية، ظهرت مؤشرات على ترجمة بعض أفكارها عمليًا، مثل:
توجيه السفارات الأميركية لجمع بيانات عن جرائم المهاجرين.
تشديد الخطاب الرسمي ضد الاتحاد الأوروبي.
إعادة صياغة تقارير حقوق الإنسان بما يتوافق مع رؤية الإدارة الحالية.
أهمية الإستراتيجية على المدى الطويل
يشير الكاتب إلى أن القيمة الجوهرية لهذه الإستراتيجية تكمن في كونها مسودة فكرية لسياسة خارجية محتملة طويلة الأمد لحركة ماغا، قد تعتمدها قيادات مقربة من ترامب في المستقبل. وتعكس الوثيقة تحولًا عميقًا في النظرة الأميركية إلى أوروبا والعالم، وتكشف عن صراع أوسع حول هوية الولايات المتحدة ودورها الدولي في مرحلة ما بعد الليبرالية.
تحليل إضافي
تحول التهديدات: من التركيز على روسيا والصين إلى التركيز على الهجرة وأوروبا، مما يعكس أولويات أيديولوجية أكثر من واقعية استراتيجية.
انعكاسات على الحلفاء: الوثيقة قد تؤدي إلى تأزم العلاقات عبر الأطلسي، وتقويض الثقة التقليدية بين واشنطن وبروكسل.
سياسة طويلة الأمد: حتى لو لم تُطبق بالكامل، فإنها تُعد إطارًا فكريًا مستقبليًا لقيادات محتملة من تيار ماغا، وهو ما يستدعي متابعة دقيقة من العواصم الأوروبية.