يرى الكاتب الصحفي جوناثان فريدلاند أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب لم تعد شريكًا مترددًا لأوروبا، بل تحولت إلى طرف معادٍ يسعى علنًا للتأثير في مستقبلها السياسي، بل والعمل على تغيير الأنظمة داخل القارة الأوروبية.
وفي عموده بصحيفة غارديان، أشار فريدلاند إلى أن هذا التوجه يستند إلى ما ورد في إستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة، التي اعتبرت أن "تنامي نفوذ الأحزاب الأوروبية الوطنية" يمثل سببًا للتفاؤل، مؤكدة أن الولايات المتحدة ستبذل ما في وسعها لمساعدة أوروبا على "تصحيح مسارها الحالي".
ووجّهت الإستراتيجية الأميركية انتقادات حادة لأوروبا، معتبرة أنها تواجه خطر الاندثار الحضاري بسبب الهجرة وتراجع معدلات الولادة، إضافة إلى ما وصفته بقمع حرية التعبير. ويرى الكاتب أن هذا الخطاب يعكس رؤية ثقافية وعنصرية تقوم على فكرة فقدان أوروبا لهويتها البيضاء والمسيحية.
وأكد فريدلاند أن هذه اللغة لا تقتصر على الطرح الأيديولوجي أو المزايدات الإعلامية، بل تمثل خطة سياسية واضحة تعلن فيها واشنطن نيتها دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة واليمين المتشدد في دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، إلى جانب العمل على إضعاف الاتحاد الأوروبي كمؤسسة سياسية جامعة.
ويربط الكاتب هذا التوجه بالمصالح الروسية، معتبرًا أن تقويض الاتحاد الأوروبي هدف إستراتيجي قديم لموسكو، وهو ما يفسر الترحيب الروسي بالسياسة الأميركية الجديدة، في تقاطع غير مسبوق بين موقفي واشنطن والكرملين تجاه أوروبا.
لحظة مفصلية
ويتناول المقال أسباب العداء الأميركي للاتحاد الأوروبي، مرجحًا أن جزءًا منه يعود إلى قدرة الاتحاد على فرض قيود وتنظيمات تحد من نفوذ شركات أميركية كبرى وشخصيات نافذة، من بينها إيلون ماسك، إضافة إلى رغبة ترامب في التعامل مع دول أوروبية متفرقة يسهل الضغط عليها بدل تكتل قوي وموحد.
وبغض النظر عن هذه الدوافع، يؤكد فريدلاند أن الولايات المتحدة باتت تنظر إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره خصمًا لا حليفًا، وهو واقع لم يعد قابلًا للإنكار. وقد حاول المدافعون عن ترامب التخفيف من حدة هذا التحول بالقول إن العداء موجّه إلى الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، لا إلى أوروبا كقارة.
وعلى الصعيد الأمني، ينتقد الكاتب الموقف الأميركي من الحرب في أوكرانيا، معتبرًا أن واشنطن تمارس ضغوطًا على كييف للقبول بشروط تصب في مصلحة روسيا، في وقت يتجاهل فيه قادة أوروبيون، بمن فيهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، حقيقة أن أقوى دولة في الحلف باتت أقرب إلى موسكو من حلفائها التقليديين.
وفي السياق نفسه، يسلط فريدلاند الضوء على التناقض في الموقف البريطاني، حيث يعلن رئيس الوزراء كير ستارمر دعمه لأوكرانيا، لكنه يواصل إعطاء الأولوية للعلاقة مع واشنطن على حساب تعزيز التعاون الأوروبي، سواء في ملفات الدفاع أو التجارة.
ويخلص المقال إلى أن أوروبا تواجه لحظة مفصلية تتطلب شجاعة سياسية للاعتراف بأن التحالف الأطلسي يمر بأزمة عميقة، وأن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة لم يعد مضمونًا كما كان في السابق.
وفي ظل هذا الواقع، يدعو الكاتب القادة الأوروبيين إلى مواجهة الحقيقة وبناء موقف أوروبي أكثر استقلالية وتماسكًا، بدل التمسك بعلاقات لم تعد قائمة على الثقة المتبادلة ولا على أسس الشراكة القديمة.