الأملاك العمومية البحرية في لبنان تشمل المساحات الملاصقة للشاطئ حتى أبعد نقطة تصلها مياه البحر في فصل الشتاء بما فيها الشواطئ الرملية والصخرية وتعود ملكيتها للدولة ولا يمكن بيعها أو تملّكها بالتقادم وتنظّم هذه الأملاك القوانين الصادرة منذ الانتداب الفرنسي أبرزها القرار رقم 144/S عام 1925 الذي يسمح بالإشغال المؤقت لمدة سنة قابلة للتجديد وفق شروط تمنع حرمان المواطنين من الوصول إلى البحر وتحدّد أنواع المشاريع المسموح بها بحيث تكون ذات منفعة عامة أو ضرورة سياحية أو صناعية كما تحدد قيوداً على البنية والتجهيزات.
من الشاطئ العام إلى مشاريع خاصة:
على الرغم من القوانين، شهدت الشواطئ اللبنانية تعديات واسعة تحوّلت معها مساحات كبيرة إلى منتجعات ومرافئ ومنشآت خاصة يديرها أصحاب نفوذ سياسي أو مالي وذلك إما عبر ثغرات قانونية أو مخالفة صريحة ويشير مسح ميداني إلى أن نحو ثمانين في المئة من الساحل محجوب بأسوار ومرافق خاصة تمنع فعلياً وصول المواطنين إلى البحر وفق جمعية نحن هناك أكثر من ألف ومئة إشغال غير قانوني تمتد على أكثر من عشرة ملايين متر مربّع في حين أن الإشغالات المرخّصة بمراسيم رسمية لا تتعدى بضع عشرات.
حكم مجلس شورى الدولة واستعادة ذوق مصبح:
في الثالث والعشرين من تشرين الأول 2025 أصدر مجلس شورى الدولة قراراً قضى بإبطال مرسوم حكومي صدر عام 2018 منح شركة Dream by the Sea S.A.L حق إشغال نحو سبعين ألف متر مربّع من الواجهة البحرية العامة في ذوق مصبح لإقامة منتجع ومرافق سياحية ورياضية وتجارية ويعود غالبية أسهم الشركة لرجل الأعمال داني خوري.
الأسباب القانونية والإدارية للإبطال:
اعتمد القرار على مخالفات قانونية وإدارية أبرزها إنشاء أبنية ثابتة تتجاوز ما تسمح به القوانين وإهمال رأي المجلس الأعلى للتنظيم المدني الذي أبدى رأياً سلبياً على المشروع كما اعتبر المجلس أن الترخيص المؤقت تحوّل عملياً إلى امتياز طويل الأمد ما يخالف جوهر الإشغال المؤقت الذي لا ينشئ حقوقاً مكتسبة على الملك العام وبناءً عليه أُبطل المرسوم وأعيدت المساحة للدولة مع التأكيد على ضرورة إجراء دراسة أثر بيئي لأي مشروع على الملك البحري استناداً إلى قانون حماية البيئة رقم 444/2002.
دور الجمعيات المدنية في إسقاط المرسوم:
المسار القانوني لم يكن صدفة وانما نتيجة متابعة مستمرة لجمعيات مثل الخط الأخضر وجمعية نحن بدعم قانوني من المفكرة القانونية حيث قدّمت هذه الجهات الطعن منذ أواخر عام 2018 ومتابعته حتى صدور الحكم ويبرز القرار أهمية الجمعيات البيئية في التقاضي دفاعاً عن المصلحة العامة.
الأثر القانوني والسابقة القضائية:
الحكم يؤكد أن مراسيم تخصيص الشاطئ ليست بمنأى عن الرقابة القضائية ويعيد التأكيد على أولوية المصلحة العامة على المصلحة الخاصة كما يعزز دور القانون البيئي والجمعيات المتخصصة ويفتح المجال أمام طعون مستقبلية مشابهة.
التنفيذ والتحديات المستقبلية:
يبقى التحدي الأساسي في التنفيذ الفعلي من خلال إزالة أي إنشاءات ومنع أي استثمار على أساس المرسوم الملغى ويطرح القرار إمكانية معالجة ملفات أخرى مثل شاطئ الناعمة والدامور وعشرات آلاف التعديات غير المرخّصة كما يعزز المطالب بقانون عصري لحماية الشواطئ.
ذوق مصبح بداية استعادة الشواطئ:
تحرير سبعين ألف متر مربّع من شاطئ ذوق مصبح هو إشارة إلى أن وضع اليد على الأملاك العامة ليس قدراً محتوماً وأن القضاء قادر على كبح الامتيازات غير المشروعة وأن المجتمع المدني قادر على خوض معارك قانونية معقّدة وقد يشكل هذا الحكم بداية فعلية لاستعادة البحر كفضاء مشترك لجميع اللبنانيين.